ماذا لو أدركت أن رغبتك المستمرة في تطوير ذاتك ما هي إلا وهما مشتركا يعيش فيه كل أبناء الجيلين المسميان بـ جيل الألفية و Generation Z ؟ وأن العامل المشترك بين هذين الجيلين هو الاستخدام المفرط للتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي.
لقد أثبتت دراسة أجريت في جامعة هارفارد الأمريكية عام 2016 وتم تطبيقها في أكثر من عشرين دولة أن الأفراد الذين ولدوا بين عامي 1997 و 2012 والذين يشار إليهم بمصطلح Generation Z هم الأكثر رغبة في التعلم لكنهم الأكثر اكتئابا بين فئات الشباب.
لتفسير هذه الظاهرة وضع جان توجيني أستاذ علم النفس بجامعة سان دييغو نظرية ” التنشئة الاجتماعية الرقمية ” والتي تشرح الطريقة التي نشأ في إطارها – Generation Z – الجيل الذي ولد بعد فترة التبني الجماعي للإنترنت في كافة المجالات والذين لا يعرفون كيف كانت طبيعة الحياة قبل وجود الإنترنت ولا يعرفون طرقا لتقليل استخدامه.
هذا الجيل يعاني من درجة عالية من إدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فوفقا لدراسة أجريت في جامعة أوكسفورد البريطانية على أكثر من ألفي طالب وجدوا أن 46% من هؤلاء يبقون متصلين بالإنترنت طوال فترات استيقاظهم.
قد يعتقد البعض أن وصف استخدام مواقع التواصل بالإدمان هو أمر مبالغ فيه لكن الحقيقة أن العلماء قد وضعوه في نفس فئة إدمان المخدرات والمواد الكحولية حيث يعاني الشخص الذي يريد الإنسحاب أو تقليل فترة تعرضه لمواقع التواصل من أعراض تتمثل في الشعور بالإرهاق ، تغيرات مزاجية حادة ، انفعال شديد غير مبرر وقلق مستمر حتى أن البعض أصبح يعاني من متلازمات نفسية جديدة لا زال علماء النفس يحاولون تصنيفها ودراستها.
على رأس هذه المتلازمات ما يسمى بال Fomo وهي اختصار لمصطلح Fear Of Missing Out وتعني ببساطة الخوف من أن يفوتك شيء ما ، هذا المصطلح ارتبط أساسا بمجال التسويق التجاري وكان خبراء التسويق يستخدمونه لإغراء المستهلكين بضرورة شراء منتج ما حتى لا تفوتك المزايا الرائعة التي يقدمها .. الآن انتقل المصطلح لوسائل التواصل الاجتماعي حيث لابد أن تظل متصل دائما بالإنترنت لمتابعة كل ما يحدث وإلا ستعاني من العزلة الاجتماعية والانسحاب.
أخطار ظاهرة ال Fomo تم توضيحها في دراستين أحدهما أجريت في أندونيسيا والأخرى في الصين على عدد من طلاب المدارس الثانوية بلغ حوالي 3000 طالب أوضحت النتائج أن معظمهم يعاني من هذه المتلازمة وأنها ترتبط بأعراض واضحة منها مقارنة حياتهم بحياة أقرانهم ورغبتهم المستمرة في تطوير ذاتهم وشعورهم بالفشل وأن حياتهم ليس لها قيمة عند مقارنتها بحياة الآخرين.
لم يقتصر الأمر على هاتين الدراستين فقط .. ففي بريطانيا وجدت الدراسات ارتفاع شديد في نسبة المراهقين الذين يرون أنفسهم فاشلين ويرغبون بشكل مستمر في تطوير ذاتهم وتغيير حياتهم التي يرونها بلا معنى وأنه كلما زاد استخدام هؤلاء المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي زادت نسبة تفكيرهم في إلحاق الأذى بأنفسهم.
الأمر نفسه في فرنسا التي زاد معدل اكتئاب الشباب فيها أربعة أضعاف خلال السنوات العشر الماضية وكذلك الولايات المتحدة حيث وجدت معظم الدراسات التي أجريت على طلاب المدارس الثانوية فيها أنهم يصفون أنفسهم بالفشل وعدم الاستحقاق.
في النهاية لابد من الاعتراف بأن الرغبة في تطوير الذات أمر ضروري وصحي لكنه لابد أن يتم بعيدا عن مواقع التواصل بعد أن يدرك الفرد نقاط قوته وضعفه ووفقا لـ ظروفه وإمكانياته الخاصة التي لا يتشابه فيها مع أحد ممن يتابعهم على هذه المواقع.
الدكتورة سهر أحمد مدرس بقسم الإذاعة والتليفزيون -كلية الإعلام جامعة القاهرة