ظلت الأسعار متوازنة إلى حد كبيرحتى نهاية الستينيات أو بداية السبعينيات من القرن الماضى، ليس فقط بسبب وجود التسعيرة الجبرية لكثير من السلع الأساسية ولكن لأمانة التجار وقناعتهم أيضا فضلا عن قلة الأعباء التى كانت تضعها الدولة على كواهلهم.
وفجأة أتت الصدفة بالرئيس السادات عقب الرحيل المفاجىء للرئيس جمال عبدالناصر، وما أن تحقق له العبور العظيم فى أكتوبر 73 حتى أعلن الإنفتاح الذى كان فى حقيقته إنفلاتا وإطلاقا للفوضى وحرية النهب. وهو ماشجع فئات كثيرة لم تكن لها فى التجارة أو الصناعة نصيب أو خبرات من قبل على دخول الأسواق للإستفادة منه.
وما لبثت الأسعار أن بدأت فى الإرتفاع شيئا فشيئا حتى أتت أحداث 17 و 18 يناير بعد إعلان الحكومة زيادة أسعار بعض السلع الأساسية زيادات طفيفه، إلا أنها كانت تهديدا للسترالعظيم الذى كان هو ثروة أغلب فئات الشعب فى ذلك الحين – حيث لم تكن قد إنطلقت تطلعاتهم وفسدت طباعهم بفعل الفئات الضالة التى قفزت إلى الحياة فى مصر بعد ذلك وأفسدت كل شىء ودفعت بالطبقة الوسطى التى هى عماد المجتمعات إلى خط الفقر وما تحته- فانطلقت المظاهرات استنكارا لتلك الزيادات الطفيفه.
واضطرت الحكومة للتراجع – ظاهريا- عن قرارها، لكنها كانت قد أضمرت أمرا خطيرا ردا على الشعب الذى أقض مضجعها بمظاهراته السلميه.
لقد قررت أن لا تعلن الشعب بعد ذلك عن أية زيادات تقررها لأسعار سلعها و خدماتها وأن تفاجىء الناس بها عند الدفع، حتى تتجنب حدوث أية إعتراضات جماعية عنيقة كتلك التى حدثت من قبل.
وأصبحت الزيادات التى تفرضها أضعاف أضعاف ما كانت عليه، وهو ماشجع تبعا لذلك الكثير من الفئات، وعلى الأخص أولئك الذين دخلوا أسواق التجارة والصناعة – بسبب ذلك الإنفتاح العشوائى الذى لم يكن له رقيب ولا رادع – على إنفلات أسعارهم بطريقة جنونية أسوة بالحكومه، فضلا عن قيامهم بالتجارة فى أى شىء يستطيعون تحقيق الأرباح الطائله من خلاله. وانطلقت جحافلهم إلى بلاد الخواجات لتأتى للشعب الطيب المشتاق للإنفتاح بكل ما كان الخواجه يسعى للتخلص منه لفساده أو انتهاء صلاحيته كالدواجن واللحوم والمعلبات الخ.. بعد أن يقومون بتغيير تواريخ صلاحيته والتعاون مع غيرهم من الفاسدين.
وبدأت تظهر الكثير من الممارسات المختلفة التى حققوا بها الأرباح الطائله، و تكوين الفائض الفاحش والخطير لدىيهم ولدى كل من سار فى ركابهم من الحرفيين والمهنيين والتجار. وشجع هذا الفائض الذى يتضاعف يوما بعد يوم على البلطجة وعلى أن تطفو على سطح الحياة فى مصرالكثير من مظاهر الفساد و البذخ المستفز، الذى يزكى الأحقاد والأمراض الاجتماعيه، ويهدد أمن الوطن واستقراره.
وما لبث أن أتى بعد ذلك الإنفلات الأكبر الذى منح فيه من لا يملك أراضى الشعب لمن لا يستحق ليقيموا عليها المستعمرات بمختلف المسميات ويتبارون فى رفع أسعار وحداتها لتصبح بعيدة المنال عن من يحتاجونها من الشباب الذين هم أصحاب أراضيها.
وكانت النتيجة الطبيعية لفوضى الأسعار هى إنهيار قيمة الجنيه وقدرته، ومضاعفة معاناة الشعب كله فضلا عن الحكومة نفسها من ذلك و.. الهجرة القاتلة للشباب الذى لم يعد له مكان فى بلده
وانقلب الهرم الإجتماعى والأخلاقى رأسا على عقب نتيجة لتلك الفوضى وأصاب التشوه ملامح القدوة لدى النشء والشباب بصفة خاصه، الذين رأوا ما يحققه العلام وما تحققه البلطجة والفهلوه.
لعل أحدا من المشاركين فى الحوار الوطنى قد تطرق إلى هذه القضيه.. قضية إنفلات الأسعار ليلفتوا إليها أنظار الحكومة – التى سعت لهذا الحوار الوطنى- لعلها تعمل على إصلاح الفساد المستشرى ومحاربة إنفلات الأسعار البشع بوضع سقف للأسعار وللربح، وضرورة إزالة كل العقبات والتكاليف التى وضعها ويضعها بعض المسئولين فى طريق صغار التجار، وتشجيعهم بحق وليس بالكلمات على مزاولة عملهم وتشغيل أيدى عاطله، فهذه قضية أمن قومى لسلامة واستقرار الوطن ، ولا علاقة لها بحرية التجارة وآليات السوق التى يتشدق بها من استفادوا ومن يستفيدون من هذه الشعارات الكاذبة بعد ما حققوه من ورائها من ثروات فاحشه.
———————————–