لعل حادث غرق قارب المهاجرين الذى كان عل متنه أكثر من سبعمائة وخمسون شخصا أمام السواحل اليونانية -غرق أغلبهم- يدعو لضرورة دراسة ظاهرة الهجرة الغير شرعية التى تزايدت مؤخرا وأسبابها والتى ضاع ضحيتها المئات من البشر البسطاء الذين كانوا يتطلعون للوصول إلى أوروبا لتحقيق حلمهم فى العيش والإدخاروالأمن الذين لم يجدوا السبيل إليهم فى بلادهم، وفضلوا إحتمال الغرق والموت فى بحور الخواجات عن الموت كمدا فى بلادهم التى فقدوا فيها الحلم والأمل، ويشهد على ذلك جنسيات أولئك المهاجرين، فليس بينهم -على سبيل المثال- سعودى أو إماراتى أو كويتى أو غيرها من البلدان التى تحقق احتياجات مواطنيها من الأمن المالى والصحى وتسمح لهم بفائض يؤمنهم.. بل وتفتح لهم سبل الرزق بلا عقبات ولا تعقيدات من الحاقدين والمعقدين الذين تضعهم حكومات الدول التى هاجر منها أو “طفش” أولئك المساكين.
ومن هنا تأتى الإجابة على من ينكرون علي من هاجر أنه إذا كان قد استطاع تدبير نحو مائة وخمسون ألف جنيه دفعها للمجرمين والنخاسين الذين تاجروا بأحلامه، فلماذا لم يستثمر هذا المبلغ بعمل مشروع فى بلده، متجاهلين أن هذا المبلغ تم توفيره بالإستدانة وبيع كل ما يملك هذا المهاجرهو وأهله على أمل .. بل ويقين أنه سوف يستطيع رده وتعويض ما باعه مما سيتوفر له فى أوروبا، بينما لن يمكنه ذلك فى وجود العقبات والتعقيدات والإتاوات والإبتزاز الذين سيواجهم فى بلده لعمل أى مشروع والتى ربما إستنفدت الجزء الأكبر من هذا المبلغ قبل أن يتحرك خطوه..
إنه على يقين أن البداية فى أوروبا لن تكون سهلة وأنه سيذوق الويل، وقد يأكل من صتاديق القمامة إلى أن يستقر فى عمل يحقق له ما يرجوه من الرزق الكريم، وهو على يقين أيضا بأنه سوف يصل إلى ما يرجوه إن آجلا أو عاجلا طالما نسى كل الإعتبارات الشخصيه وراح يبذل كل الجهد للنجاح وإثبات كفاءته فى أى عمل يقوم به لتحقيق حلمه مهما كانت درجة تعليمه، فالسبل هناك مفتوحة ومتاحة وبلا فساد, والأمثلة على ذلك كثيره.
ولعل أحد أبرز هذه الأمثلة هو الملياردير المصرى ” عنان الجلالى” الذى خرج من مصر عام 1967 بعد رسوبه فى إمتحان الثانوية العامة أربعة مرات، وذهب إلى أوروبا حيثعاش فيها مشردا فى البداية ومارس العديد من الأعمال الدنيا إلى أن تحقق له النجاح إلى أن أصبح حاليا صاحبمجموعة فنادق هلنان العالمية العملاقة التى تضم أكثر من 40 فندق فى أنحاء العالم، ومنحته الجامعات خمسة شهادات دكتوراه فخريه لنجاحاته وشهرته رغم فشله فى أن يحصل على الثانوية العامة فى مصر، كما حصل على عدة أوسمة من ملكة الدانيمارك