أعمدة و أقبية، درجات و مدرجات، ساحات و شجيرات، ممرات و حجرات، أبراج و أقواس، صور و تحف، تماثيل حجرية و أسقف مخروطية، شرفات و ردهات، جداريات و مقتنيات، قباب دائرية و مباني إسطوانية، سيراميك و موزاييك، تماثيل ملوك مجريين و اخري لقديسين، قصر علي مدرجات، بطرز معمارية متعددات، يغلب عليها الطابع الروماني ، مشيد بشعور حب رباني، خلق من طوب أحمر و حجر جمالا يبهر البصر.
سيماهم في وجوههم، تمثال رجل ملامحه تنطق بالشغف و التلقائية، بالحماس و القدرة و العطاء، بالتصميم و الفخر و بعد النظر و الذكاء، و تمثال الزوجة بجمال هادئ رصين، و روح إيمان و يقين، اشبه بصور الملائكة و القديسين، تبدو من عالم آخر جاءت الي ارضنا بشعور مغترب سامي حزين، لكنها وجدت فيها من ملأت روحه بإلهام حب رباني دافق و دائم، تجاوز حدود التماهي الزوجي و محبة الذرية الي خلود ما بعد الحياة في قصر بإسم الأسرة، شاع أنه تاچ محل المجر
القصر فخامته في جمال صنعه و ثراء روح بانيه، و ليس في ثمن مواد بنائه، قصر بناه المعماري النحات ينو بوري في إجازات صيفية خلال أربعين عاما حتي نالته المنية، قصر تبوح أحجاره بأسرار و دوافع العشق من خلال أشعار و كتابات. فالنصوص تقول ان الله محبة، و الحب طريق الي الله، الكتابات تعلن مشاعر الغزل، و الكلمات تنقلها بأحرف من نور؛ أن وجهها يشعره بنشوة من الخالق، و أنه يحس بروح الله عندما يراها، و أن ابتسامتها نور، و إسمها كنز، و نغمات صوتها موسيقي، و أنه يتمني إلا يتقدم بها السن حتي لا تخفي تجاعيد الوجه عن الناس جمال روحها عبر نضرة شبابها.
ينو بوري استاذ جامعي بكلية الفنون الجميلة في بودابست مولود ١٨٧٩، أحب زميلته الرسامة إيلونا، حصل علي منح دراسية في المانيا و إيطاليا ، و بادر بدمج دراسة النحت مع العمارة في مناهج كليته، و استعانت به الإمبراطورية النمساوية لشهرته في نحت تماثيل، بعضها في سراييڤو التي أغتيل فيها أرشيدوق النمسا ، فاستوحي من احد كنائسها تصميمات القصر، و بدلا من مناخ الحرب العالمية الاولي الوحشي، اختار في نهايتها عام ١٩١٩ ان يبني القصر في مدينة هي مسقط رأسه، و استغل اجازة الكلية الصيفية اربعة اشهر من كل عام ليبني بنفسه القصر بقدر قليل من الاستعانة بغيره، و اصبح القصر لاقامة الاسرة و ذريته من بعده الذين قاموا بصيانته بما فيه من صور فنية لآخرين، و جعلوه مفتوحا للزوار كمعلم سياحي أضاف لشهرة المدينة.
القصر يحوي معبدا للحب برسومات و كتابات، ذلك الحب الذي كان دافعه و طريقه و غايته و أساس إيمانه، إذ كتب علي جدرانه الدافع؛ ان الله محبة، و الحب طريق لله الذي كرس حياته لخدمته، فالحب لديه عبادة روحية و ممارسة حياتية، ممارسة منتظمة حتي الممات، الحب عملا و تعاملا، و ليس مجرد نزوات عابرة و علاقات متقطعة، و لحظات تجلي و عبادات منقطعة عن التصرفات اليومية، الحب حياة، و اساس خلق و وجود، كالماء و الهواء، فلا شئً لديه بدونه.
القصر أصبح محجا لمن يستلهمون السمو، و من يبغون أن ترويه أعمالهم، من يرنون الي الطهارة و الصفاء، و الابداع و العطاء، من يرون وجه الله في الآخرين، و يجعلون الحياة ملحمة من الخدمة و الخير، خير لا ينقطع، ينتقل الي الناس و الاجيال، عشق يذكرنا أن الدنيا بخير، حتي و العالم مضطرب، فالايمان يعلمنا التفهم و الاحتواء، و يلهمنا الصبر و الرحمة، و وسط شرور هذا العالم، هناك دوما ملائكة بيننا، حتي لو كانوا بشرا بصفات ملائكية.
د. هادي التونسي
طبيب و سفير سابق