عراقة المنشأ ، التواضع، التوافق مع المعيشة في اهم عواصم العالم و اكثرها تباينا عرقيا و ثقافيا و حضاريا، القدرة علي التعامل مع ارقي الشخصيات و احتواء المواطن البسيط، و ان تكون تلقائية و عملية و صادقة و متفهمة و محبوبة في آن واحد، ان تعيش رونق الحياة الدبلوماسية مع الزوج، و ان تسكن بمفردها لعقود بعد وفاته، ان تجمع بين عمق الشعور بالاخرين و لطف التعامل، و ان تشع تلك الطاقة المبهجة النشطة مع الجميع حتي مع المراهقين المزعجين بفوضويتهم في شوارع الحي، ان تتفاني في الرياضة و تمارسها حتي العقد الثامن من حياتها، ان تكون شخصية حرة استقلالية و أما حنونا عادلة حازمة محبوبة منظمة داعمة مقنعة، و ان تمتد امومتها الي رعاية الحيوانات الاليفة بمنزلها، رحمة لا تعرفها الا من عاشت روحا عابرا في حياة معارفها و محبيها، تعتني و ترفق بارواحهم ، و تؤنس وحدتها؛ سمو مقتحم لا تملك الا التوافق معه، حتي ان لم يشع سعادة و نشاطا في حياتك،و مع ذلك فهي واقعية و عملية و ايجابية حتي النخاع، دوافعها تنبع من تربية اصيلة و خبرة عالمية و انتماء وطني،أسفر عن اهتمام عميق بتفهم الشباب بدوافعهم و رغباتهم و تجمعاتهم، لتفكر في احتياجاتهم و كيفية رعايتهم، حتي اطلق عليها شباب الحي” الأم الروحية لحي المعادي”.
هذه الأم و الچدة الحنون الراعية في احترام و محبة انتقلت الي رحمة الله ، أسابيع بعدما احتفل بها محبوها لبلوغها الثمانين بحفل جامع مفاجئ لها، مفاجأة لانها لم تكن تسعي لاجتلاب المحبة، بل ان تكون نفسها، تشعر و تعبر و تعتني بصدق، و تمارس شخصيتها المتوازنة القيادية بمرح و لباقة آثرة و ملهمة و محفزة لاسرتها و احفادها و لأسرة الحي الذي احبته و أحبها.
الشخصية الأصيلة القوية تبقي علي فطرتها و سلامها و محبتها مهما تقلب الزمن من شباب الي شيخوخة، من صحة الي مرض، من رونق الحياة الدبلوماسية في اجمل العواصم و اقدم الحضارات الي القنوع بالعيش منفردة في حي كان ماضيه اجمل من حاضره، من حميمية الحياة مع الاسرة و الاصدقاء الي احتواء راعي لشباب و بسطاء مجتمع متغير في حاجة لمن يفهمهم و يحنو عليهم و يرفق بهم.
كثيرون أحبوا نادية رشاد، حتي و ان لم يدرك بعضهم سر تلك المحبة، فليس سهلا ان يستكشف المرء ابعد و اعمق مما لديه، لكن محبتها غير المشروطة و تجردها في العطاء و الخدمة و لطفها و مرحها حتي حين الاختلاف تترك في النفس ذكري ملهمة، قد تستوعبها و لو بعد حين. هي عاشت عقودا بمفردها، لكن لم تكن وحيدة، فالكل في قلبها، لذا ، وحتي و ان رحلت ، ستبقي في قلوب محبيها قدوة تشع بهجة و محبة، سلاما و أملا، أصالة و انتماء، تلقائية و صدقا.
رحم الله نادية رشاد، و ابقاها روحا هاديا لعالم اكثر محبة و رحمة و سلاما.
د. هادي التونسي