بقلم فطينة يانغ، صحفية من شبكة الصين
عقد المؤتمر العالمي حول دراسات الصين – منتدى شانغهاي مؤخرا وتم الإعلان عن قائمة الفائزين بـ”جائزة المساهمة في الدراسات الصينية لعام 2023″ خلال مراسم الافتتاح.
وكان كيشور محبوباني، الأكاديمي المتميز في معهد الدراسات الآسيوية بجامعة سنغافورة الوطنية، أحد الفائزين الثلاثة. وبهذه المناسبة، قال محبوباني خلال كلمة مصورة له مستشهدا بصديقه الراحل عزرا فوغل: “لقد تأثرت بشدة عندما تم الاعتراف بي في الصين كشخص ملتزم بإخلاص بشرح حقيقة الصين للغرب.” كما أكد التزامه ببذل قصارى جهده في تعزيز الفهم العالمي للصين، مبرزا أن الفهم الصحيح لهذه الدولة المحورية في العالم يعد بمثابة واحدة من أبرز المهام في العالم اليوم وأن الحكمة الصينية تساعد العالم على خلق مستقبل أفضل.
وأوضح كيشور محبوباني أن صعود ونهضة الحضارة الصينية لا يشكل تهديدا للحضارة الغربية، مضيفا أنه ينبغي على جميع الأطراف التوصل إلى مجموعة من القيم المشتركة للتعامل مع التحديات العالمية من خلال تعزيز قدرات الأطر العالمية الحالية وتعزيز دور المؤسسات متعددة الأطراف.
ويرى كيشور محبوباني أنه من الضروري دراسة الصين من منظور تاريخي واسع وشامل، قائلا إن نهضة الصين هي في الأصل نتيجة طبيعية لعودة نهضة حضارة ذات جذور متوغلة في التاريخ البشري. وأضاف “والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الصين والهند كانتا من أضخم اقتصادين في العالم. والواقع هو أن هيمنة الغرب خلال المائتي عام الماضية تعد حالة غير طبيعية وأن زوال هذه الهيمنة أمر يتماشى مع المسار الطبيعي للتاريخ،” مشيرا إلى أن ذلك يفسر إلى حد بعيد نهضة المجتمعات الآسيوية.
وذكر كيشور محبوباني في كتابه ((القرن الـ 21 لقارة آسيا)) أن نظام الحوكمة العالمية بريادة الدول الغربية يفتقر إلى الإجماع والكفاءة، مضيفا أن هذا النظام ينظر إلى الواقع الحالي في القرن الحادي والعشرين من زاوية نظر جيوسياسية قد عفا عليها الزمن من القرن التاسع عشر. كما يرى محبوباني في كتابه أن دلائل مختلفة تشير بوضوح إلى أن قارة آسيا قد نفضت عنها غبار قرنين من الصمت لترتقي سلم النهضة والازدهار، متابعا أن الغرب يرفض قبول هذا الوضع ويأبى كل تغيير، مما أدى إلى تفاقم حالة عدم اليقين بشأن المستقبل.
ويرى كيشور محبوباني أن نهضة الحضارة الصينية لن تشكل تهديدا للحضارة الغربية وأن الصين لا تؤمن بـ “نظرية صدام الحضارات”. وأضاف أن الصين تؤمن إيمانا راسخا بأن الحضارة الصينية والحضارة الغربية وغيرهما من الحضارات الأخرى قادرة على أن تتعايش بوئام.
وتابع محبوباني “كانت الصين خلال الألفي عام الماضية وفي كثير من الأحيان أقوى حضارة في القارة الأوراسية. فلو كانت جدلاً ذات نزعة عسكرية، لرأيناها تشن الحروب واحدة تلو الأخرى وتغزو أقاليم ما وراء البحار بمثل ما تفعل القوى الغربية،” قائلا إن الأمر لا يتطلب بحثا عميقا في تاريخ الحضارة الصيني لنقف على حقيقة أن الصين لم تكن يوما ذا نزعة استعمارية وأن سجلها التاريخي خالي الوفاض من كل أطماع استعمارية. وهي حقيقة كفيلة بإزالة أي خوف من “التهديدات الصينية” المزعومة. وفي الواقع، الصين على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الكبرى الأخرى لمواجهة التحديات العالمية، مؤكدا أن البشرية اليوم تقوم على فكرة مجتمع المصير المشترك، وهو ما يعده محبوباني فرصة كبيرة للبشرية لخلق عالم أفضل.
نشأ كيشور محبوباني وعمل في سنغافورة في بيئة متعددة الثقافات وترعرع هناك متأثرا بشدة بالتقاليد والثقافة الآسيوية. ثم عمل في واشنطن ونيويورك لأكثر من عشر سنوات، وهو ما مكنه من دراية جيدة بثقافة الغرب وسياستها. وقد اختارته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في أكثر من مناسبة كـ “أفضل المفكرين في مجال السياسة الخارجية العالمية”. كما وصفته جمعية السياسة الخارجية الأمريكية في كلمة تسليم الجائزة بأنه “دبلوماسي عبقري يحب التاريخ والفلسلفة” و”كاتب مبدع ومفكر ومصدر إلهام للكثير”.
ويقول كيشور محبوباني إن العديد من الأمريكيين يأملون في أن تتمكن الولايات المتحدة من المحافظة على مكانتها باعتبارها القوة الأولى في العالم، ويعتقدون أن مفتاح ذلك يكمن في احتواء الصين. وفي هذا الصدد، يرى محبوباني أن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة قد تتسارع في العقد المقبل، مشددا على أنه من الضروري الاستعداد لهذه الفترة الصعبة. وتابع “من الواضح أن جل دول العالم لا ترغب في الانحياز إلى أحد الجانبين”. ويأمل كيشور محبوباني في أن تتمكن الولايات المتحدة في آخر المطاف من أن تهتدي إلى الوسيلة الأمثل للتعامل مع الصين بعيدا عن محاولات احتوائها وتعطيل عجلة تنميتها.