فجأة ودون مقدمات حط على الغابة حفنة من الصيادين العتاة بأسلحتهم المختلفة من بنادق وشباك وغير ذلك مما يحقق لهم الهدف الذى جاؤا الغابة من أجله. كانت أمارات القسوة والعنف والإصرارعلى تحقيق هدفهم تعلو وجوههم وتتبدى جلية واضحة عليها وهى تبين تحت قبعاتهم وخوذاتهم. كان هدفهم الأول هو إصطياد أسود الغابة ونمورها وقتل من قد يلقوه فى طريقهم أويعترضهم من الذئاب والغيلان إن لم يسارعوا بالهرب بعيدا عنهم.
ولم تمض سوى ساعات قليلة حتى كانوا قد اصطادوا عددا لا بأس به من الأسود والنمور وبعض الغزلان بينما هرب واختبأ من استطاع النجاة من رصاص وشباك أولئك الغزاة الجبارين من بقية حيوانات الغابه.
وخلت الغابة من ملوكها.. أسودها ونمورها، بينما ظل من هربوا ومن إختبئوا فى أماكنهم وراحوا يرهفون السمع كى يعلموا متى يرحل أولئك الغزاة القساة حين يرحلوا وتخلو منهم غابتهم بعد ما فعلوه بها.
وما أن تناهى إلى أسماعهم أصوات سيارات أولئك الغزاة وهى تبتعد عن الغابة بعدما حققوا أهدافهم من الصيد والقنص والقتل حتى خرجوا يتلصصون على مهل للتأكد من أنهم قد رحلوا حقا وليست خدعة منهم لدفعهم للخروج من مخابئهم حتى يتمكنوا منهم.
وحين تأكدوا من رحيلهم خرجوا إلى جنبات الغابه، إلا أنهم إكتشفوا أنها قد خلت من أسودها وأصبحت بلا أسود تحكمها و تدفع عنها الغرباء رغم أنها قد أخفقت فى صد أولئك الغزاة الجبارين عنها بسبب ما جاؤا يحملونه من سلاح وعتاد لا فكاك منه.
ورغم كل ماحدث راحوا يعاودون حياتهم المعتادة فيها وكأن شيئا لم يكن..بل ونسوا الأسود الذين كانوا يعيشون فى حمايتهم زمنا.
راحت القرود تجرى وتقفز بين الأشجار مرة أخرى بحريه، وكذلك راحت الغزلان تتنقل فى أرجاء الغابة بسلام دون خوف من أسود أو نمور، وخرجت الأرانب الكثيرة من جحورها، وظلت الببغاوات تتنقل فوق الأشجار ترقب ما يحدث على أرض الغابة تغرد وتصفر بين الحين والآخر وتردد أصوات بعض الحيوانات.
إلا أنه كان هناك شأن آخر لبعض الحيوانات ومنهم من لم تكن له أية قيمة فى وجود أسودها، فراحوا يحاولون أن يستأسدوا على الآخرين وكل منهم يختلق لنفسه المبررات للزعامة و الإستئساد.
رأى الذئب الكبير أنه بات هو الأحق بالزعامة بعد أن إختفت الأسود والنمور وخلت له الغابه فهذا ما كان يحلم به ولا يجد سبيلا لتحقيقه فى وجودهم، أما الآن فهو الأعلى زئيرا ومن يخافه أغلب سكان الغابه.
دعا أفراد قبيلته إلى إجتماع فى أحد أطراف الغابة ووقف يخطب فيهم بصوت خفيض. راح يمنيهم بأنه سيجعل لهم مكانة طيبة فى الغابة وسيؤمن لهم الحصول على أطيب غذاء دون جهد بعد أن تتحقق له الزعامة دون منافسة من أحد، وعليهم أن يصغوا لأمره الآن فلا يعتدوا على أى حيوان ممن اعتادوا إفتراسهم، و يظهرون مسالمتهم والتلطف معهم حتى تختلف صورتهم عما كانت عليه من قبل إلى أن يتحقق هدفه وتتحقق له الزعامة دون مقاومة من أحد من الكبار..الغيلان والغوريلات والفيله حتى وإن بدا أن أكثرهم غير مهتم مثله بتلك الزعامة المزعومه.
فى نفس الوقت جمعت الغوريلا بعض القرود حولها و راحت تجول هى الأخرى فى الغابة مدعية أحقيتها بالزعامه، فهى الأكبر حجما من الذئب ومن كثيرين غيره، فضلا عن أنها أبشع شكلا منه، فضلا عن إن لها منزلة طيبة عند أكثر سكانالغابه إذ أنها لا تعتدى عليهم دوما.
بينما راحت الفيلة والزراف والأرانب والغزلان تمارس حياتها بالطيبة المعهودة لها دون خوف ودون طمع فى الزعامة التى انشغل بها الآخرون
لم يكن هناك من سكان الغابة من يرقب إجتماع الذئاب والغيلان سوى الببغاء من مكانه فوق الشجرة التى وقف كل منهما تحتها وهو يخطب فى رفاقه. وما أن انتهيا من إجتماعهما حتى أسرع إلى صديقه الثعلب وراح يعيد عليه كل
ما سمعه ويكرره المرة تلو الأخرى كطبع الببغاوات حتى نهره الثعلب وأسكته حتى يمكنه التفكير فى الأمرالجلل.
لقد كان مشغولا هو الآخربتلك الزعامة إلا أنه كان يدرك بذكائه وفطنته ما سوف يسعى إليه الذئب الكبير بعد أن خلت الغابة من ملوكها حتى قبل أن يأتيه الببغاء بالخبر، وكان يدرك ما يعنيه ضئالة حجمه هو وفصيله وهو ما قد يحول بينه وبين السعى بوضوح للزعامه. لذلك قرر أن يستغل ذكاءه للوصولإلى هدفه بطريقة أخرى يجيدها بالطبع.
جمع قبيله هو الآخر ذات مساء فى أحد الأطراف البعيدة وكانت الغيرة والحقد يأكلان قلوب بعض كبارهم.. فهم يعتبرون أنفسهم الأحق بالزعامة لما يملكونه من مكر و دهاء رغم ضآلة أجسامهم بين أكثر سكان الغابه. راح يهمس فى آذانهم:
– نحن بلا شك الأحق بالزعامة بعد أن غابت الأسود، فنحن من نملك مقومات الزعامه.. المكر و الذكاء والدهاء، فلم لا نستغل هذه الملكات ونتحايل للوصول إلى تلك الزعامه
همس ثعلب عجوز وهو يقترب منه :
– أنت محق فيما تقول، ولكن كيف ؟ – أليست ضئالة أجسامنا هى العقبة فى سبيل الوصول إلى ما
نرجوه فهى لا تمنحنا الهيبة عند إخواننا العائشين فى غابتنا – وكيف لنا أن نغير ضئالة أجسامنا يا زعيم؟
تساءل أحدهم، وما لبث أن جاءه الرد من صاحبهم:
– سترون.. سترون ما سأفعل شريطة أن تؤازرونى و تفعلون ما آمركم به
وإهتزت الرؤوس كلها معلنة بهمس وحماس موافقتها وتأييدها لزعيمهم والزعيم المنتظر للغابة كلها إذا ما نجح فى تحقيق ما يقول رغم أنهم لا يعلمون ما يفكر فيه.
إنطلق الثعلب إلى الثور الكبير، إقترب منه بهدوء وراح يردد فى أذنيه أنه المحب المخلص له والذى شغله أمر الغابة بعد أن خلت من الأسود، حتى أنه لم يغفل له جفن منذ ذلك الحين، ولهذا قرر أن يأتى إليه هو دون غيره من الكبارليقنعه ىأنه أحق سكان الغابة بزعامتها وأنه سيكون وزيره ومستشاره المخلص الأمين، وسيسعى لإقناع كل الحيوانات المسالمة فى الغابة كالأرانب والغزلان والقرود الذين لا تشغلهم حكاية الزعامة للإلتفاف حوله، فهو الطيب والودود بدلا من الذئب وقبيله الذين لا يؤمن جانبهم، وأطرق الثور الكبير وقد بدا أن
فكرة الثعلب قد راقته وأخذت مكانا غير قليل فى رأسه الكبير.
وتركه الثعلب ليفكر فيما قاله له. إلا أنه أراد أن يطمئن إلى الوصول لهدفه فيما لو أن الثور أعرض عما قاله له، فقررالذهاب على الفور إلى الفيل حيث أنه الأكبر بين بقية الحيوانات وأعاد عليه نفس ما قاله للثور فهو الآضخم وهو الطيب والمسالم الذى لايؤذى أحدا منهم، والذى يتفرد بامتلاك ما لا يملكه غيره من سكان الغابه، فهو الوحيد صاحب الزلومة
الطويلة وصاحب الأذنين العريضتين اللتان لا يملك مثلهما أحد من سكان غابتهم، ومن ثم فهو الأحق بالزعامة من تلك الذئاب المفترسة التى لا يؤمن جانبها، وأنه سيكون له نعم الوزير والمشير والناصح الخبير.
وراح الفيل الكبير بعد أن انتهى الثعلب من حديثه يدير رأسه يمنة ويسرة ويهز أذناه المتدليتان على جانب رأسه ويرفع زلومته ويدور بها ثم يخفضها وكأنما قد راقته الفكرة أو أخذتمكانا جيدا فى رأسه.
انطلق الثعلب بعد ذلك إلى الضبع الأسود العجوز وراح يعيد على مسامعه نفس ما قاله لكل من الثور والفيل و يحاول إقناعه بانه الأحق بالزعامة وأنه وقبيله سوف يقفون إلى جانبه شريطة أن يتخذه وزيره الأمين ويطلق يديه فى كل أمورالغابة حين تتحقق له الزعامه.
كان كل همه أن لا تكون هناك فرصة للزعامة للذئب غريمه الأزلى ولذلك سعى لتأليب أولئك الذين سعى إليهم عليه، وأن يتغلب على مشكلته هو وقبيله.. ضئالة أجسامهم والوصول إلى
مكانة عالية فى الغابة من خلالهم.
وهكذا إنقلب حال الغابة التى كانت هادئة مطمئنه، وراحت تموج بالصراعات بين سكانها بعد أن غادرها الهدوء وشغلتها الأطماع..
—————————-