أكد مراقبون أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لكلٍ من أرمينيا وأذربيجان، على التوالي، تهدف إلى تعزيز وتوسيع العلاقات مع دول آسيا الوسطى والقوقاز، حيث تقع المناطق الغنية بالطاقة، على مفترق طريق جغرافي رئيسي يربط أوروبا والشرق الأوسط بالشرق الأقصى.
وقال الخبراء إن القاهرة تؤمن بأن هناك مزايا فريدة يمكن أن توفرها للحلفاء في هذه المنطقة والتي تتناسب تمامًا مع مصالحهم الناشئة، فتسعى مصر برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتعظيم صادراتها من الغاز الطبيعي لــ أوروبا في الوقت الذي يبحث فيه الاتحاد الأوروبي عن موردي طاقة جدد لسد الفجوة التي خلفها وقف إمدادات الوقود الأحفوري الروسي بمساعدة أذربيجان، وتسعى أذربيجان إلى الاستفادة من التجربة المصرية في إنشاء محطات لإسالة الغاز، ضمن خطتها لزيادة الصادرات، خاصة إلى أوروبا، والدخول إلى أسواق الغاز المسال.
كما تسعى مصر للانضمام للاتحاد الأوراسي بمساعدة أرمينيا، ويمتلك الاتحاد الاقتصادي الأوراسي سوقًا موحدة متكاملة تضم 180 مليون شخص ويزيد ناتجها المحلي الإجمالي عن 5 تريليون دولار أمريكي.
حضور مصري في القوقاز
وتواجه منطقة جنوب القوقاز تغييرات في طريقة توزيع القوة بسبب التغييرات الجيوسياسية في النظام الدولي وصراعات لها علاقة بالطموحات الكبرى لبعض اللاعبين في المنطقة.
كما أن الاستراتيجية الكبری في جنوب القوقاز والتطورات الأخيرة التي حدثت على مدى العامين الماضيين في العلاقات بين دول المنطقة تؤشر علی أن اللاعبين الدوليين ودول المنطقة لديهم اختلافات وتضارب في المصالح الاستراتيجية.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة الى تقليص هذه التحديات والسيطرة عليها، فهناك من يلعب بالنار في جنوب القوقاز. والتوتر في هذه المنطقة لا يزال قائما حتي بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 9 نوفمبر 2020 بعد حرب ناجورني كاراباخ الثانية.
وتشهد الساحة في منطقة جنوب القوقاز الآن حضور نشط لجهات فاعلة مختلفة، بما فيهم روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرنسا وإيران وتركيا.
ومن جانبه قال الدكتور آرمين مظلوميان، رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية بالقاهرة في تصريحات خاصة، إن الجانب الأرميني أولى أهمية خاصة وكبيرة لهذه الزيارة لأنها مثلت أول زيارة تاريخية للرئيس عبدالفتاح السيسي مصري لأرمينيا
تقارب عميق وثقة
وتابع الدكتور آرمين، بأن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدولة أرمينيا تتزامن في توقيت مهم للغاية مع وجود تحديات كبيرة تواجه المجتمع الدولي، نتيجة تداعيات الأزمة الأوكرانية الروسية على الاقتصاد العالمي، وكذلك التغييرات الجيوسياسية في النظام الدولي، والبعض الآخر يتعلق بالتغيرات في الاتجاهات والاستراتيجيات الكبری في منطقة القوقاز واللاعبين الرئيسيين فيها.
وأكد رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية بالقاهرة أن هناك ازدياد حدّة في المنافسة بين الدول التي تسعى إلى توجيه دفّة الصراعات من أجل تعزيز نفوذها الإقليمي أو العالمي، أو إشعال صراعات جديدة ومريرة قد تؤدي الي تداعيات سلبية، و تحدث المزيد من المعاناة الإنسانية لشعوب المنطقة بأسرها
وشدد مظلوميان على أن نتائج هذه الزيارة ستؤدي الي أبعاداً جديدة فى مسيرة العلاقات بين البلدين، وكذلك فيما تحمله من مؤشرات بشأن المستقبل.
خاصة بعد جلسة المباحثات الموسعة بين وفدي البلدين لبحث مختلف الملفات الثنائية والقضايا الاقليمية والدولية التي تهم مصر وأرمينيا
وذكر أنه انطلاقا من موقف مصر المحايد من نزاع ناجورنوكراباخ، سعى الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته للمنطقة إلى التوسط لدي أذربيجان، من أجل احترام روح ومضمون بنود الاتفاقية الثلاثية في ٩ نوفمبر، لإعادة أسري الأرمن لدى “باكو”
علاقات مصرية أرمينية ممتدة
-وقال مظلوميان إن الصداقة الأرمنية المصرية تتمتع بعمق العلاقات التاريخية والثقافية المتميزة بين البلدين وشعبيهما. وتتسم العلاقات المصرية الأرمينية بخصوصية تاريخية قديمة تعود لآلاف السنين، وبحسب المؤرخين ومن خلال اكتشافات تل العمارنة، ظهر الأرمن فى مصر فى عهد الأسرة الفرعونية الثالثة القديمة
وأكد أن هجرة الأرمن إلى مصر تنقسم إلى مرحلتين، ما قبل الإبادة الجماعية للأرمن فى عام 1915 وما بعد ذلك عندما احتضنت مصر آلاف الأرمن الفارين من بطش الإمبراطورية العثمانية كما تم دمجهم في المجتمع المصري حتي أصبحوا جزء من النسيج المصري و اسهموا في بناء مصر الحديثة في أيام محمد علي.
وذكر أن خير دليل للعلاقات والصداقة المصرية الأرمنية، هو احتفاء الدولة المصرية بالأرمن في ٢٠١٨ من خلال احتفالية كبيرة نظمتها وزارة الهجرة حيث نقلتها حينها غالبية القنوات المصرية للملايين
التعاون الثنائي
وأوضح الدكتور آرمين مظلوميان أنه وبعد هذه الزيارة التاريخية للرئيس عبدالفتاح السيسي ، لابد من توجيه جهودنا للعمل على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات جديدة، وذلك من خلال تعزيز فرص التعاون وتبادل الخبرات بين البلدين في مختلف المجالات، منها التعليم والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والأدوية والثقافة والسياحة والزراعة والأمن.
وتتعاون أرمينيا ومصر منذ سنوات عديدة فى المنظمات والمحافل الدولية، بالتصويت ودعم بعضهما البعض، وأيضا تدعم أرمينيا توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين مصر والاتحاد الأوراسي.
تجربة مصر في إسالة الغاز
وعلى الجانب الآخر تمتلك أذربيجان خبرات كبيرة في مجالات النفط والغاز والطاقات الخضراء، وعلى استعداد لتبادل الخبرات مع مصر، ومثلها مثل مصر، تصدّر الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وتسعى لفرص زيادة الكميات المصدّرة، مما يعدّ أحد المجالات المهمة التي يمكن التعاون فيها مع مصر
وتسعي أذربيجان لإنشاء محطة لإسالة الغاز، وقد تستفيد من التجربة المصرية الرائدة في هذا الشأن وتعدّ محطات إسالة الغاز المصرية في دمياط وإدكو من أهم الركائز الرئيسة في التسهيلات والبنية التحتية التي تمتلكها مصر لتجارة وتداول الغاز الطبيعي، وتتمتع بموقعها بين منتجي الغاز بالبحر المتوسط وكبار المستهلكين في القارة الأوروبية، إذ تفوق قدراتهما الإنتاجية 12 مليون طن سنويًا
التعاون مع سوكار
وهناك فرص للتعاون بين قطاع النفط المصري وشركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان “سوكار” في مجالات النفط الخام والتكرير
حيث يمتلك قطاع النفط المصري تسهيلات تصنيع متميزة للمهمات والمعدّات، بالإضافة إلى الخبرات التي اكتسبتها شركات النفط المصرية خلال السنوات الأخيرة في مجال تصميم وتنفيذ المشروعات المهمة داخل مصر وخارجها، وإمكان مشاركتهم في المشروعات النفطية والغازية بأذربيجان
ومن مجالات التعاون المقترحة أيضًا التوسع في إنتاج المنتجات البتروكيماوية، وخاصة الأسمدة كما تحتاج مصر إلى شراء النفط الأذربيجاني عالي الجودة، وتتطلع إلى مواصلة التعاون مع أذربيجان في مجال إمدادات النفط والطاقة المتجددة
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أهداف البلدين المتمثلة في تنويع إمدادات الطاقة، بالإضافة إلى تطوير مشروعات في مجال الطاقة المتجددة بين البلدين، خاصة في ظل حرص مصر على التعاون مع أذربيجان بمجال تبادل التجارب والخبرات، فيما يتصل بالطاقة المتجددة جنبًا إلى جنب مع كونها مصدرًا مهمًا وموثوقًا للغاز الطبيعي والنفط.