الصراع في مسرح سعد الدين وهبة.. عنوان الرسالة التي فازت بتقدير ممتاز بكلية الآداب جامعة القاهرة وأعدتها الباحثة سارة محمد الدسوقي محمد ، وأشرف على الرسالة العلامة الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي أستاذ الأدب والنقد والدراسات الشعبية بجامعة القاهرة، ورأس لجنة المناقشة الدكتور تامــــــر فايــــــــــــز أستاذ الأدب الحديث والمقارن، وتكونت لجنة المناقشة من الأستاذِ الدكتور سامي سليمان ، والأستاذِ الدكتور عادل ضرغام.
ناقشت الباحثة سارة محمد الدسوقي في دراستها كيفَ أحالَ سعدُ الدين وهبة الصراعَ المجتمعيَّ إلى صراعٍ دراميٍّ، انتقَدَ منْ خلالِهِ ظلمَ المجتمعِ قبل ثورة 23 يوليو ، وقمعَ السُّلطةِ الشعبَ، وتَرَكَ دعواتٍ للثورةِ على سلبياتِ مجتمع ما قبل ثورة 23 يوليو، وعلى انحرافِ مسَارِ الثورةِ فيما بعد، وعلى السلطةِ المغيبةِ عن هموم الجماهير كما تَرَكَ صرخاتِ تحذيرٍ منَ انقسامِ أبناءِ المجتمعِ، وفرصة انتهزها العدو لتأليبِ الشعب بعضَهُمْ على بعضٍ، ومخاطرِ ضياعِ الأرضِ والعرضِ بيدِ المحتلِّ الغاشمِ.
وكشفت الباحثة عن عبقريةُ سعدِ الدين وهبة في استخدامِهِ المفارقةَ كإيداعِ العديدِ منْ أفرادِ الشعبِ مستشفَى الأمراضِ العقليةِ، فهوَ هنَا يشيرُ إلى أنهمْ احتجزُوا عقلاءَ الشعبِ داخلَ الجنونِ، وتطرأُ على الساحةِ مقولةُ “خذِ الحكمةَ منْ أفواهِ المجانينَ” التي تحكي أيضًا عنْ تناحرِ الإخوةِ فيما بينهمْ.
وقد انتصر سعد الكاتب المسرحي الكبير للمرأة ، وتميزت نسائه بالقوةِ والشدّةِ، فكُنَّ مصدرَ الدفعِ للثورةِ ضدّ العدوانِ، ومصدرَ القوةِ في أوقاتِ الضعفِ، وأيضًا الحُضنَ الدافئَ في أوقاتَ الانهيارِ، فاحتضنتْ شهرزادُ ابنَها سرحان في إسطبلِ عنتر، واحتضنتْ صابحةُ ابنَهَا علوان في المحروسةِ ٢٠١٥، وكانتْ خضرةُ ملجأ كلِّ روادِ الكوبري، وكانتْ فاطمةُ هيَ الصوتُ الصادحُ بالقتالِ، وغيرهَا من الصورِ التي رمزتْ لمصرَ شامخةٍ عزيزةٍ.
وقد تناولت الباحثة بالنقد والتحليل عناصر الصراع في أعمال سعد الدين وهبة وكيف أنها كانت مرآة لعصرها ففي الخمسينات كانت توجه سهامها الى مجتمع ما قبل ثورة يوليو وفى الستينات توجهت لانتقاء سلبيات المجتمع وبعض ممارسات ثورة 1952، ومن هذه الأعمال المحروسةُ (أولى مسرحياتِهِ) صَدرَتْ عامَ ألفٍ وتِسْعِمَائَةٍ وواحِدٍ وسِتّين، والسبنسةُ، وكوبري الناموس، ثم سكةُ السلامة، وبير السلم، وكوابيسُ في الكواليس، حتى الأستاذ التي صدرت عام 1969،
وقد أكدت الدراسة تأثّرِ المسرحِ بالتغيراتِ التي طرأتْ على مجتمعِ الستينياتِ، خاصةً الفترةَ بعدَ ثورةِ يوليو ١٩٥٢م التي أحدثتْ طفرةً إبداعيةً لدى الكتّابِ؛ فاتجهَ الكثيرونَ للتحدثِ بلسانِ حالِ المجتمعِ، ومنهمْ سعدُ الدين وهبة الذي تبنّى قضايا مجتمعِهِ، ومقاومةَ أوجهِ الفسادِ والانحرافِ فيهِ، ووضعَ لهَا حلولًا ناجعةً لإنقاذِ ما تبقّى.
ففي صراعِهِ مع الإقطاعِ لنصرةِ الفلاحِ كانَ الحلُّ في قيامِ الثورةِ، على يدِ أبناءِ الشعبِ الذينَ سكنتْ القنابلُ نفوسَهُمْ، وأوشكَتْ على الانفجارِ، ولمّا انحرفتِ الثورةُ عملَ على تصحيحِ مسارِهَا، ورأى أنّ الحلَّ لمشكلةِ ضياعِ أهدافِ الثورةِ وغيابِ السلطةِ هوَ البدءُ منْ جديدٍ.
أمّا الصراعُ الناتجُ عنْ جورِ الحكامِ أو استبدادِ المستعمرِ فاسْتوجَبَ اليقظةَ والحذرَ، وربما تفجيرُ طاقةِ الغضبِ الكامنةِ في نفوسِ الشعبِ.
وتأتى قيمة الدراسةُ في تركيزها على عدةِ قضايا أهمها قيمة المسرح ومكانته بالنسبةِ للمجتمعِ، وتأثّرُ كلٍ منهما بالآخرِ في خمسينياتِ القرنِ الماضي وستينياتِهِ. وبينت أنواعِ الصراعِ التي تناولهَا الكاتب المسرحي سعد الدين وهبة وكيف انتهى وكيفَ تخبطتْ الشخصياتُ بين جوانِبِهِ، وصعدتْ منهُ الأحداثُ. كما كشفت الباحثة عن تجلياتُ القضايا المجتمعيةِ في مسرحِهِ. ووقفت على أساليبه فى التعبير عنها في أعماله المسرحية.
وأفردتْ الدراسةُ فصلا كاملا عن أهم القضايا التي حركتْ سعدَ الدين وهبة مثل الحريةُ والعدلُ، حيثُ كانتا محور الصراع داخلَ المسرحيةِ وخارجَهَا، وندّدَ بغيابِها، مع الوقوفِ على أسبابِ ضياعِ هذهِ القيمِ، ومدى حاجةِ المجتمعِ إليها.
وقد استخدمَ وهبةُ أماكنَ محدودةً في مسرحياتِهِ، وعبّرَ عنْ قضيتِهِ ببلاغةٍ كبيرةٍ، ففي السبنسةِ كانتْ الأماكنُ النقطةَ والمحطةَ وبيتَ الخيشِ، وتقلّصَتْ لتصبحَ مجردَ كوبري في كوبري الناموسِ، وانعدمتْ لتصبحَ صحراءَ جرداءَ ومبنًى متهدمًا في سكةِ السلامةِ، وغرفةً غامضةً في بير السلم.
أما الزمانُ فغلبَ عليهِ الليلُ والظلامُ وضيقُ الوقتِ، ودارَ العديدُ منَ الأحداثِ بينَ منتصفِ الليلِ والفجرِ، كسبع سواقي، وسكةِ السلامةِ، وكوبري الناموسِ، ولمْ يفردْ الكثيرَ منَ الزمانِ إلا في المحروسةِ 2015.
يبقى أن سعد الدين وهبة الذى يحتاج للعديد من الدراسات الأخرى خصص قطاعًا عريضًا منْ أدبِهِ منْ أجلِ مصر، وضمانِ رِفعتِها وقوتِها، وانتصرَ للمصريِّ وحضّهُ على النضالِ لضمانِ حريتِهِ وحقوقِهِ.