منذ انطلاق امتحانات الثانوية العامة 2022، في الـ 20 من الشهر الماضي، ولا صوت يعلوا فوق صوت صفحات الغش الإلكتروني وجروبات التليجرام وباقي مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأنه بالتركيز والتتبع لهذه الصفحات تجد بعض التفاصيل الصغيرة تشير إلى أن تداول صور الامتحان لا يقف ورائه الطلاب بشكل عشوائي، بهدف حل الامتحان من خلال صفحات الغش، ولكن وبحسب أولياء الأمور الأمر يبدوا الأمر مخطط لإفشال مجهودات وزارة التربية والتعليم وأجهزة الدولة المعنية في تأمين الامتحانات، لخلق حالة من البلبلة إثارة الفوضى لدى الطلاب وأولياء الأمور.
سيارة خاصة وعصير
فبتتبع عدد من صفحات الغش الإلكتروني على مواقع التواصل يمكنك رصد عدة ملاحظات أخرها كان اليوم، خلال امتحاني مادة الفيزياء والتاريخ، فنشرت إحدى صفحات الغش صور زعمت أنها لامتحان الفيزياء، من داخل سيارة خاصة، قالت بعدها الوزارة أنها لنسخة الامتحان الاحتياطية، التي لا يمكن إلا لعدد محدد جدًا الحصول عليها ولا يتم اللجوء إليها إلى في حالات معينة، كما أن امتحان الديناميكا تم نشر الصور الأولى عبر هذه الصفحات في الساعة 8:55، أي قبل استلام الطلاب أوراق الأسئلة رسميًا في 9 صباحًأ، وكذلك تم نشر صور أخرى لامتحان اللغة الإنجليزية بإحدى لجان الثانوية العامة 2022 داخل دورة مياه إحدى المدارس ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ظهور صور أخرى لورق الأسئلة يظهر فيه أن الشخص القائم بالتصوير أمامه كوب من العصير، وصور يبدوا في خلفية الصورة أن المصور يجلس حافي القدم وأمامه ما يشبه سرير مغطى ب”كوفرته”، مما يفتح الباب أمام عدة تساؤلات أولها هل يمتلك طلاب الثانوية العامة داخل اللجان رفاهية تصوير الامتحان بهذه الأريحية، أو حملهم لبعض العصائر داخل اللجان، أو تمكنهم من دخول دورات المياه بورقة الأسئلة وبحوزتهم موبايل والسماح لهم بالتصوير.
تصوير امتحان فيزياء الثانوية العامة
تخوفات أولياء الأمور من امتحانات الثانوية العامة، على مستقبل أبنائهم زادت مع انتشار أخبار عن تحقيق وزارة التربية والتعليم في الصور المنشورة من داخل دورة مياه لامتحان اللغة الإنجليزية، وأسفرت عن توقيع عدد من العقوبات على بعض المسؤولين عن اللجنة، عن طريق اتخاذ كافة الإجراءات التأديبية بمجازاة «م. م. ب» رئيس اللجنة بخصم ما يعادل أجر 3 أشهر من راتبه، وذلك لتقاعسه عن أداء عمله وإهماله في الإشراف والمتابعة على أعمال اللجنة مما ترتب عليه وجود هاتف محمول باللجنة أثناء أداء امتحان مادة اللغة الانجليزية، وكذلك التحقيق في تصوير الامتحان الاحتياطي لمادة الفيزياء داخل سيارة، مما يعنى أن من يقف وراء تغذية هذا الصفحات ليس الطلاب فقط ولكن هناك مدرسين وعمال وغيرهم، والسؤال هنا من يقوم بتسريب امتحانات الثانوية العامة وتغذية صفحات الغش وما الهدف منها، فلو كان الهدف الحصول على الدرجات لاقتصر الأمر على الطلاب فقط، وهل هناك مقترحات لمواجهة هذه المحاولات للغش، لإتاحة تكافؤ الفرص بين الطلاب خاصة مع المجهودات التي تبذلها كافة أجهزة الدولة لتوفير مناخ مناسب لطلاب الثانوية العامة.
تهديد الأمن القومي
من جانبه أوضح الدكتور تامر شوقي الخبير التربوي، وأستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، أن مشكلة تسريب الامتحانات لجروبات الغش على مواقع التواصل الاجتماعى (سواء الواتس اب أو الفيس أو التليجرام) تمثل أخطر المشكلات التي تهدد العملية التربوية، وتعوق كل الجهود التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم من أجل تطوير العملية التعليمية ونظم الامتحانات، بل وتهدد الأمن القومي في مجال التعليم، وهي تعكس وجود خلل كبير في المنظومة الأخلاقية للعديد من الأطراف المتصلة بالعملية التعليمية، وتمثل الاستخدام الأسوأ لمبتكرات العصر والتكنولوجيا الحديثة، وتضر بشدة بمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية بين الطلاب.
الامتحانات تساعد على الغش
وأضاف شوقي لـ”صدى البلد جامعات”، تأتي خطورة التسريبات وتأثيرها الأكبر في ظل نظام الامتحانات الحالي الذي أصبح يعتمد على أسئلة الاختيار من متعدد وليس الأسئلة المقالية، حيث أصبح بإمكان الطالب الحصول على حل جميع الأسئلة في نصف ورقة فقط، تشمل رقم السؤال ورمز الاجابة، بينما كان أثر التسريب أقل نسبيا مع الأسئلة المقالية التي تتطلب إجابات طويلة، يضاف إلى ذلك صعوبة تحديد حدوث تسريب في لجنة ما من خلال مطابقة إجابات الطلاب في نفس اللجنة، لأن الإجابات كلها عبارة عن تظليل دوائر فقط، بينما كان من الأسهل تحديد ذلك مع إجابات الأسئلة المقالية.
محاربة تسريب امتحانات الثانوية العامة
وللأسف من الصعب تحديد من المسؤول عن التسريب في ظل تعدد الأطراف المتصلة بالعملية الامتحانية ولكن يمكن تتبع بعض المؤشرات التي من خلالها يمكن الاستدلال على من قام بالتسريب ومنها:
1- توقيت التسريب وهذا من السهل تحديده من خلال رصد توقيت نشر صورة الامتحان علي جروبات التسريب فالمعروف أن هناك دورة لاستلام أوراق الاسئلة وفي ضوء تحديد وقت التسريب يتم تحديد الجهة المسئولة عنه، وفي كل الأحوال لا يجب استبعاد أي طرف خلال كل تلك المراحل إلا إذا ظهر ما يثبت خلوه من المسؤولية.
2- بعض العلامات المحيطة بصورة الامتحان التي قد تشير إلى من قام بتصويره كأن يتم تصويره في مكان به مكتب مثلا أو فنجان قهوة، والتي يستحيل وجودهما في اللجنة، أو ما يثبت أن هذه الورقة خاصة بطالب معين، مثل كود معين بالورقة.
3- يبقى أن كل الاحتمالات تكون قائمة في مشكلة التسريبات لتعدد الأطراف المتصلة بالامتحان.
وتابع الخبير التربوي أن الهدف من التسريبات فغالبا ما يكون مادي خاصة مع تحصيل اشتراكات من الطلاب المشاركين في جروبات الغش، أو قد يكون الهدف هو إفشال نظام التعليم، في حال تدخل بعض الأفراد ذوي الاتجاهات المعادية للدولة، أو لقلة وعي بعض الطلاب من خطورة ذلك، فيقومون بسذاجة بتصوير الورقة الامتحانية، والقائمون علي جروبات الغش فهم يمثلون تجارا أخطر من تجار المخدرات، نظرا لما يقومون به من أعمال إجرامية تضر بمصلحة الطلاب والوطن، وتضرب كل القيم الأخلاقية في المجتمع في مقتل، وغالبا ما يكون الدافع وراء إنشائهم تلك الجروبات هو جمع الأموال.
ويجب الاشارة هنا إلى
1- أن الاسئلة تكون مؤمنة تماما من خلال مظاريف مغلفة وصناديق حديدية وسيارات شرطة يصعب معها حدوث التسريب.
2- وجود تسريبات غير صحيحة وغير مطابقة بالفعل للامتحانات، تنشرها تلك الجروبات بعد تحصيل الاشتراكات من الطلاب، حتى لو فرضنا وجود تسريبات صحيحة قبل الامتحان فهذا نتيجة لخداع اصحاب جروبات الغش، من خلال إنهم يضعون صورة لامتحان قديم فجرا، ثم يقومون باستبدالها بالامتحان الجديد بعد بدء الامتحان.
كيفية مواجهة ذلك:
1- التدقيق الشديد في اختيار الأفراد المسؤولين عن استلام وتسليم الامتحانات في كل مراحلها، فضلا عن المراقبين والملاحظين واجراء التحريات الامنية عليهم واستبعاد كل من لا يستوفي المعايير المطلوبة.
2- زيادة التأمين على الأسئلة كما يحدث في تأمين الأموال في البنوك.
3- تصوير كل عمليات تسليم وتسلم أوراق الامتحانات بكاميرات مراقبة متصلة بالوزارة ومديريات الأمن.
4- الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحديد مصادر تسريب الامتحانات على الانترنت، والاستعانة بتطبيقات تكنولوجية حديثة تقوم بغلق تلك الجروبات بشكل تلقائي.
5- تغليظ العقوبة على كل من قام بالتسريب وإعلام الجمهور بذلك.
وأوضحت الدكتورة هبة سامي أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، أن الغش وتسريب الامتحانات كارثة تضرب بمجهود الطلاب المتفوقين وبمبدأ تساوي الفرص عرض الحائط، ووجود مثل هذه التسريبات دون عقاب رادع على الرغم من تصريح الوزارة مرارا بتتبعها لمن يقوم بهذا التسريب يمثل علامة استفهام كبيرة، وقد تتعدد الأهداف من وراء مثل هذه التسريبات إلا أنها في النهاية تضرب بالمسمار الأخير في نعش نظام الثانوية العامة الحالي.
وأردفت اقترح الاستعانة بجهاز الشرطة لتتبع مثل هذه التسريبات وكذلك الاستعانة بالجهات التنفيذيه لسرعة معاقبة المتسببين في ذلك، على أن يكون العقاب رادع وفوري من أجل حماية باقي المواد المتبقية من مثل هذه التسريبات، واعتبار الموضوع يمثل أحد محاور الأمن القومي، وأؤكد على مبدأ المحاسبة في كل ضرر أو ثغرة تضر بطلاب الثانوية العامة بشكل مباشر.