بقلم د. على حموده
رئيس قسم الصحافة والنشر بكلية الاعلام جامعة الأزهر
يبدو أن تلويث أسماع المشاهدين صار جريمة على المشاع، نكتفي إزاءها بإدانة المهنة التي تخلت عن رسالتها أو القنوات التي خسرت مصداقيتها، ونبقى رغم ذلك عاجزين عن تحديد المسئولية وأثر الجريمة ونوع العقاب.
وفى خضم هذا السيل من السباب والاتهامات الجزافية والتضليل، لم يعد من السهل تمييز الصالح من الطالح، وصار الحديث عن أخلاقيات الإعلام ترفا وتلاشى صوت المنادين بها وحلّ اليأس في نفوس المتلقين الذين لا حيلة لهم في تغيير هذا الوضع البائس.
ويغفـل بعـض الإعلاميـين أخلاقيـات العمـل الإعلامـي، مـن المصداقية والحيادية، إضافة إلى اعتمـادهم على الإثـارة والجـذب فـي بــــرامجهم التلفزيونيــــة دون تبنــــى بــــرامج التوعية التي تحتاجها الشعوب.
وبـدأ تــدوين أخلاقيــات العمـل الإعلامــي ومواثيــق الشـرف وقواعــد الســلوك المهنيــة للمرة الأولى فـي بدايـة العشـرينات مـن القـرن الماضـي وهنـاك الآن اقـل مـن ٥٠ دولـة فقط من بين ٢٠٠ دولة في العالم لديها نظم متطـورة فـي الاتصـال الجمـاهيري ذات مواثيــق لأخلاقيــات المهنــة تــؤثر بشــكل فعــال علــى القــائمين بالاتصــال، أو تحمــي التدفق الحر الإعلامي.
فـالإعلامي كـــائن حــي عقلانـــي وأخلاقــي وإن أخلاقياتــه تحـــدد لــه مـــا يجــب عليـــه المحافظـة عليـه وفـق القـانون، فلكـل مهنـة أخلاقياتهـا التـي لابـد مـن الالتـزام بهـا، فالإعلام كمهنة تقوم على أسس من الأخلاق واجب التحلي بها لكل فرد يمتهنها، فقبل أن نتطرق إلى أخلاقيات المهنة يجب أن نتعـرف أولا علـى القضـايا التـي تمـس الإعلام والتي يجب يتمسك الإعلامي أخلاق مهنته اتجاهها مثـل: السـلطة والواجـب، الحرية والمسؤولية والحقيقة، والتعددية، والاختلاف ،والصـالح العـام، واحتــرام الآخـر وهـي مفــاهيم فلسـفية، مـن الصــعب تجاوزهـا حــين نتطرق إلى قضايا الإعلام، لكونها تساعدنا على إدراك “المعنى” لمـاذا؟ لمـاذا نقـوم بهذا العمل ولا نقوم بـذاك؟ مـا المحـددات الكبـرى لأفكارنـا وسـلوكنا؟ مـا هـي نـوع القيم أو المسؤولية أو الأخـلاق الواجـب الالتـزام بهـا فـي ممارسـة الإعـلام؟ ومـن الـذي يحــددها؟ أيــن تبــدأ وأيــن تقــف حريــة التعبيــر؟ كيــف نضــمن التعدديــة والاخــتلاف والعدالة والصحة.
فنظرية المسؤولية الاجتماعية: والتي نادى بها عـدد مـن الأسـاتذة والأكـاديميين بالمسـؤولية الاجتماعية وصــدق الأخبــار والحياديــة، وعلــى أن الإعــلام يجــب ان يكــون فــي خدمــة المجتمع من خلال الالتزام بالمعـايير المهنيـة كقـول الحقيقـة والدقـة والموضـوعية. والتـوازن والابتعاد عـن نشـر كـل مـا يـؤدي إلـى ارتكاب الجريمـة وإشـاعة الفوضـى او توجيــه الإهانــات إلــى الأفــراد او الأقليــات وأن تــدخل الإعــلام يجــب ان يكــون لتحقيــق المصلحة العامة.
والمســؤولية الإعلاميــة تجــاه المجتمــع المحــلي: هـي امتداد للمسـؤولية الأولـى، وتعتمد على نشر ما يتوقعه الأفـراد مـن المجتمـع ومـا يتوقعـه المجتمـع مـن الأفـراد وأداء الرســالة الســابقة مــع تجنــب أي ضــرر بقــدر الإمكــان وإبــلاغ النــاس مــا يحقــق مصالحهم الآنية والمستقبلية. مســؤولية إعلاميــة تجــاه نفســه مـن خـلال أداء الرسـالة الإعلاميـة بأقصـى قـدر ممكن من الدقة والأمانة والصدق والموضوعية لما يعتقد أنه في صالح المجتمع.
واحترام كرامة الإنسان: يجب ان لا ينشر خبـر او صـورة تمـس كرامـة الفـرد ولا يجـوز استعمال اساليب الخداع أو التوريط أو الابتزاز أو التلاعـب بالأشـخاص مثـل (التسـجيل أو التصوير غير القانوني).
وأن الهدف الرئيسي مـن جمـع الأخبـار والآراء وتوزيعهـ ا هـو خدمــة عامــة وذلــك عــن طريــق إمــداد النــاس بالمعلومــات وتمكيــنهم مــن إصــدار الأحكام حول قضايا العصر والإعلاميون الـذين يسـيئون اسـتخدام هـذه السلطة المتاحة لهم بحكم منتهي أو يوجهونها لدوافع أنانية أو الانحراف يكونـوا قد خانوا الثقة الممنوحة لهم من الرأي العام.
فالموضوعية أساس من أسس الإعلام أيضًا، وهي تعني صدق تصوير الواقع وبيان مختلف الأوجه على حقيقتها ودقة استخدام الألفاظ حتى لا توهم السامع – أو القارئ – بغير الحق.
والموضوعية انحياز للحق وحياد في النقل، وأمانة في العرض، وتوثيق المعلومة توثيقًا مبنيًا على الحقائق والشواهد الثابتة، وعدم الدخول في العموميات لحشد العواطف والتأثير النفسي لإخفاء جوانب من الموضوع، أو عرضه بشكل مشوه أو مغرض، أو على العكس بشكل جذاب يضلِّل الناس ويخدعهم.
وتجنب عرض الأعمال الفاحشة لأنه يعبر عن مشكلة أخلاقية أكثـر ممـا يعبـر عـن مشـكلة قانونيـة وإن نشـر المـواد الفاحشـة سـيهدم المجتمـع ويفسـد الأخـلاق فـالتعرض إلـى مشـاهد الإثـارة يـؤدي إلـى تفشـي سـلوكيات ضـارة بـالمجتمع. لان تسـليط الضـوء الإعلامـي على السلوكيات والأخلاق السيئة سوف يجعل الناس يميلوا إلـى تقليد ذلك مما ينشـر الفسـاد والانحلال، كمـا إن الإعلامـي إذا لـم يسـتطع أن يحـافظ على عفته سوف تقترن مع ظهوره الإعلامي وبما يسبب مشاكل كثيرة خاصـة لمـن يتــأثرون بــه، لــذا علــى الإعلامــي أن يكــون قــدوة فــي المجتمــع ويتجنــب التصــرفات والأخلاقيات غير اللائقة.