شهر رمضان الكريم هو الشهرُ التاسعُ في التقويم الهجري والذي يأتي بعد شهر شعبان، ويعتبر هذا الشهر مميزًا عند المسلمين وذو مكانة خاصة عن باقي شهور السنة الهجرية، فهو شهر الصوم الذي يُعدّ أحد أركان الإسلام، وبجانب عظمته الروحانية والدينية، شهد على مر التاريخ أحداثًا تاريخية عظيمة ستظل في ذاكرة المصريين والعالم أجمع، منها:
١- الدولة الأموية في الأندلس.
في ١٥ رمضان ١٣٨هـ الموافق ٢٠ فبراير ٧٥٦م عبَرَ عبد الرحمن الداخل المعروف بـ (صقر قريش) البحر إلى الأندلس؛ ليؤسس دولة إسلامية قوية وهي الدولة الأموية في الأندلس.
٢- معركة بلاط الشهداء.
في اليوم الثاني من رمضان عام ١١٤هجرية حدثت معركة بلاط الشهداء الشهيرة، وقد اشتعلت هذه المعركة بين المسلمين بقيادة “عبد الرحمن الغافقي” والفرنجة بقيادة “شارل مارتل”، وقد وقعت في منطقة بواتييه الفرنسية، وكان من أهم نتائجها أنها أوقفت المد الإسلامي إلى كل أوروبا.
٣- معركة عين جالوت.
في ٢٥ رمضان ٦٥٨هـ خرج سلطان مصر سيف الدين قطز من مصر على رأس الجيوش المصرية؛ وذلك لملاقاة جيش المغول الرهيب في معركة عين جالوت، وانتصر فيها المسلمون انتصارًا ساحقًا، وأدت المعركة لانحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم منها نهائيًا وإيقاف المد المغولي.
٤- معركة عمورية:
في السادس من شهر رمضان سنة ٢٢٣هـ، جهَّز الخليفة العباسي المعتصم جيشًا لحرب الروم استجابة للصرخة الشهيرة لإحدى النساء المسلمات (وامعتصماه)، حيث حاصر عمورية إلى أن سقطت، ودخلها المسلمون في السابع عشر من رمضان.
أحداث تاريخية في شهر رمضان المبارك
حفل تاريخ الأمة الإسلامية بأحداث ووقائع عظيمة شكلت منعطفات حاسمة في مسار المسلمين بصفة خاصة والبشرية بصفة عامة، وقد شكل شهر رمضان الكريم مسرحًا زمنيًا للعديد من تلك الأحداث نظرًا؛ لمكانته العظيمة في نفوس المسلمين، وتأثيره القوي في الرفع من عزائمهم وتقوية هِمَمِهِم، ونستعرض فيما يلي أهم عشرة أحداث خلدها التاريخ الإسلامي خلال شهر رمضان المبارك:
١- نزول الوحي
بدأ نزول الوحي على الرسول “صلى الله عليه وسلم” في رمضان من السنة الأولى للبعثة (٦١٠م) وهو حدث عظيم في حقيقته، ﺿﺨﻢ بأبعاده، وعميق ﺑﺂﺛﺎﺭﻩ على ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ جمعاء، فقد شاء الله تعالى في تلك اللحظة أن يكرم عباده وخلقه فاختار سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-“؛ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﻠﺘﻘﻰ ﻧﻮﺭﻩ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﻭﻣﺴﺘﻮﺩﻉ ﺣﻜﻤﺘﻪ الربانية، ﻭﻣﻬﺒﻂ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ النورانية، ومخرج الناس جميعهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة الحي الذي لا يموت؛ ليصبح هذا الحدث ﺃﻋﻈﻢ ﻟﺤﻈﺔ في أرشيف البشرية وأرقى محطة في تاريخ الإنسانية.
٢- تشريع الأذان
تم تشريع الأذان للصلاة في المساجد وبدأ العمل به في رمضان من السنة الأولى للهجرة، (٦٢٣م)؛ فقد كان من الصعب على الصحابة والمؤمنين آنذاك معرفة مواقيت الصلوات الخمس فتشاوروا في ذلك، فلما كان من الليل رأى عبد الله بن يزيد -رضي الله عنه- في المنام رجلا دَلَّهُ على الأذان وكيفيته، فلما أصبح، ذهب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما رأى، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: (إنها رؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك) ومن تلك اللحظة، لا يزال الأذان يرفع للصلاة في جميع مساجد العالم.
٣- غزوة بدر الكبرى
وقعت غزوة بدر الكبرى في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة (٦٢٤م)، وهي غزوة كانت بين المسلمين بقيادة الرسول “صلى الله عليه وسلم” والمشركين بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي الذي قتل في المعركة، وقد اشتهرت هذه الغزوة بفضل انتصار ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المسلمين على أزيد من ألف رجل من قريش، الأمر الذي مكّن المسلمين من تحقيق مكاسب هامة جعلتهم مُهابي الجانب عند قريش وأمدَّتهم بالأموال والغنائم، وساهمت في رفع راية الإسلام وإعلاء كلمته إلى يومنا هذا.
٤- فتح مكة
في رمضان من السنة الثامنة للهجرة (٦٣٠م)، سجل التاريخ حدثًا إسلاميًا فريدًا؛ فقد تمكن المسلمون من فتح مكة بعدما دخلوها غاضبين بسبب انتهاك قريشٍ لعهدها معهم في صلح الحديبية، وقد جهز الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- جيشًا من عشرة آلاف مقاتل لفتح المدينة، فتحرَّك الجيشُ حتى وصل مكة ودخلها سِلْمًا بدون قتال، وكان من نتائج هذا الفتح المبين تقوية شوكة المسلمين، وتقهقر جيوش المشركين، و إعجاب سكان مكة برحمة النبي-صلى الله عليه وسلم- وجيشه، فاعتنق الكثير منهم دينَ الإسلام، ومن بينهم سيد قريش وكنانة أبو سفيان بن حرب، وزوجتُه هند بنت عتبة، وغيرهم كثير…
٥- فتح الأندلس
تمكن المسلمون من فتح الأندلس في رمضان سنة ٩٢ للهجرة (٧١١م)، ومكثوا فيها زهاء ثمانية قرون، بدأت القصة عندما جهز موسى بن نصير جيشًا بقيادة طارق بن زياد لفتح الأندلس عبر مضيق جبل طارق الذي سمي باسمه لاحقًا، بعد بلوغ الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، ثم توغلوا إلى العمق ففتحوا إشبيلية وطليطلة، وسيطروا فيما بعد على كل ما يُعرف الآن بإسبانيا والبرتغال.
٦- بناء جامع الأزهر
تم بناء الجامع الأزهر في القاهرة على يد الفاطميين في رمضان سنة ٢٦١ للهجرة (٩٦٨م)، ويعود أصل تسميته نسبة إلى فاطمة الزهراء (رضي الله عنها) والتي ينتسب إليها الفاطميون، وكان الهدف الأول من إنشائه هو الدعوة الإسلامية، ثم ما لبث أن تحول إلى جامعة أكاديمية تجذب طلاب العلم من كل حدب وصوب، ويعود الفضل في إسباغ الطابع العلمي على الأزهر إلى الوزير يعقوب بن كلس الذي أمر سنة ٣٧٨هجرية بتحويله من فضاء للعبادة ونشر الدعوة إلى معهد للدراسة ونشر العلوم، ولا تزال هذه المعلمة شامخة إلى يومنا هذا، حيث تلعب أدوارا دينية وتعليمية وثقافية وسياسية ومعمارية هامة.
٧- معركة حطين
في ٢٦ من شهر رمضان المُبارك سنة ٥٨٣ للهجرة (١١٨٧م)، حدثت موقعة حطين العظيمة بين الصليبيين المحتلين، وجيوش المسلمين بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، وقد شكلت قرية حطين الواقعة بين الناصرة وطبرية في أرض فلسطين المحتلة مسرحًا لتلك المعركة الخالدة، حيث حقق المسلمون خلالها انتصارًا ساحقًا على الصليبيين، فتمكنوا من إسقاط المحتلين واسترجاع بيت المقدس وتحرير معظم الأراضي التي سيطر عليها الصليبيون من قبل، وكان لهذا الانتصار واقع عظيم في نفوس الأوروبيين، فكان أن جهزوا جيوشًا ضخمة وشنوا هجومات وحشية على المسلمين في المقدس في إطار ما يعرف بالحملات الصليبية.
٨- ﻓﺘﺢ ﺃﻧﻄﺎﻛﻴﺔ
ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ سنة ٦٦٦ ﻟﻠﻬﺠﺮﺓ ( ١٢٦٨م ) تمكن المسلمون ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﺒﺮﺱ من استرجاع ﻣﺪﻳﻨﺔ أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ ﻣﻦ قبضة ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ الذين احتلوها طيلة ١٧٠ ﻋﺎﻣًﺎ، فقد جهز بيبرس جيشًا ضخمًا، اتجه به إلى المدينة المحتلة، وضرب حولها حصارًا محكمًا تُوِّجَ بطلب أهلها الاستسلام بشروط؛ لكن بيبرس رفض شروطهم فشدّد عليهم الحصار أكثر وتمكن من فتح أنطاكية بالقوة، فغنم المسلمون الغنائم الكثيرة، وأُطْلق من فيها من الأسرى المسلمين، وشكل سقوطها انتصارًا عظيمًا على الصليبيين بعد معركة حطين الخالدة.
٩- مولد ابن خلدون
في رمضان سنة ٧٣٢ للهجرة (١٣٣٢م) ولد المؤرخ والفيلسوف العربي الشهير عبد الرحمن بن خلدون في تونس، وشكل ميلاده فخرًا للعرب والمسلمين بفضل نبوغه الفكري وإسهامه العلمي الغزير، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، وهو صاحب نظريات باهرة في قوانين العمران وبناء الدولة وأطوار ازدهارها وسقوطها، وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه مشاهير العلماء العالم لاحقًا، ومن أشهر كتبه، كتاب (ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) المكون من سبعة مجلدات، أوَّلها المقدمة التي يتحدث فيها عن الجغرافيا والعمران والفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي تميز بعضهم عن الآخر.
١٠- انتصار العرب على إسرائيل(حرب أكتوبر)
في العاشر من رمضان سنة ١٣٩٣هجرية (١٩٧٣م)، شَنَّت كل من مصر وسوريا الحرب على الكيان الصهيوني، وتمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس التي كانت توصف بأنها أصعب حصن مائي في العالم، وحطمت أكبر حاجز ترابي ألا وهو خط بارليف، وهو عبارة عن جبل من الرمال والأتربة طالما افتخرت به القيادة الإسرائيلية لمناعته وشدته، حيث كان يعد من أكبر العقبات التي واجهت القوات الحربية المصرية في عملية العبور والانتصار، وقد عد المؤرخون المعاصرون هذا الحدث أول انتصار عسكري للمسلمين والعرب في العصر الحديث على الصهاينة.