انتهت أمس امتحانات الثانوية العامة 2021، بعد أن استمرت ما يقرب من شهر بنظام التعليم الجديد القائم على الفهم وليس الحفظ والتلقين، ومنذ بداية الامتحانات تنشر غرفة عمليات وزارة التربية والتعليم يومياً، بيانات الطلاب “المتهمين بالغش”، أو تسريب الامتحان والإدارات التعليمية التابعين لها، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال تلك الحالات، مما تسبب في حالة من الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
حيث انقسم رواد المنصات لفريقين، الأول يرى أن الوزارة لا يحق لها نشر هذه البيانات، لأنها مجرد اتهامات جاري التحقيق فيها، وتسبب إيذاء نفسي لذويهم، أما عن وجهة النظر الآخرى فكان أصحابها يرون أن نشر هذه البيانات سيكون رادع لغيرهم، لذا رصد موقع “صدى البلد جامعات” خلال السطور التالية، آراء عدد من الأساتذة التربويين في القضية من الناحية الأخلاقية والتربوية.
إجراءات حاسمة ذات مرجعية قانونية
أكد الدكتور عبد الرحمن ناجي، أستاذ اللغة الألمانية بكلية التربية جامعة عين شمس، والمحاضر بجامعة هيلديسهايم بألمانيا، أنه فيما يتعلق بنشر الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، بيانات طالب “متهم” بالغش أو بتسريب الامتحان، فيمكن تناول الموضوع من زوايا عدة، سأقتصر هنا فقط على الجانب الأخلاقي والتربوي.
فمما لا شك فيه أن محاولة الطالب للغش أو الإخلال بالعملية الامتحانية وتكافؤ الفرص عن طريق تسريب الامتحان، هو أمر مرفوض تماما ويجب إدانته ومواجهته بكل حسم وحزم، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية تجاهه.
وأشار ناجي في تصريحات خاصة لـ”صدى البلد جامعات” إلى أنه لابد في نفس الوقت أن تكون تلك الإجراءات بالفعل ذات مرجعية قانونية، فكيف يقوم المسئول بالإفصاح عن بيانات الطالب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى دون وجود قرار إدانة، وإنما هي مجرد اتهامات جاري التحقيق فيها، علما بأن الطالب قد سُمح له باستكمال الامتحانات، فهل سيمر ذلك الموقف دون آثار نفسية على الطالب؟.
وتسائل الأستاذ بكلية التربية ألم يدرس أنه كان يجب على وزير التعليم قبل الإعلان عن تلك البيانات، ما يترتب على ذلك من تأثيرات على الطالب في محيطه الاجتماعي؟، فالطالب سيواجه المجتمع خلال الفترة القادمة وهو موصوم بتهمة لن يُبت فيها بعد، مما سيكون له تأثير سلبي على تعامله مع الآخرين، وتعامل الآخرين معه، وكذلك على قدرته على متابعة المذاكرة والمشاركة في الامتحانات، فتصرف الوزارة في هذا الموقف يتطلب منه إعادة نظر من منظور تربوي.
أمر غير صحيح
وأشارت الدكتورة هبة سامي، عضو هيئة التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس، إلى أن نشر بيانات الطلاب المتهمين بالغش هو أمر غير صحيح، ولا يجدى نفعا على الرأي العام، وإنما ما يهم بصدق هو كيفية التعامل مع الظاهرة ومع من يقومون بها، بغض النظر عن بياناتهم أو أسمائهم والتي لن تضر سوى ذويهم، وقد يكون منهم الصالح المجتهد، ولن تفيد الرأي العام بقدر كبير.
ناهيك عن أن المسئول عن الغش في الحقيقة ليس الطالب فقط وإنما من ساعده ويسر له من مراقبين لجان ومن سمح له باصطحاب أدوات للغش “كالموبايل” وغيره، فما النفع إذن من ذكر أسماء وصفات كل هؤلاء، في حين أن ما يهم حقا هو كيفية ضبط المتهمين بالغش وسرعة التحقيق معهم، وكيفية معاقبتهم بالشكل الرادع.
وأوضحت الأستاذ بكلية التربية لـ”صدى البلد جامعات”، أن ما تقوله هو رأي تربوي لا يتنافى جملة وتفصيلا مع خطورة ونبذ ظاهرة الغش المقيتة، التي تضر بصاحبها وبمجموع الطلاب الذين حاولوا النجاح، اعتماداً على مجهوداتهم الحقيقية فقط، كما أن تداعيات ظاهرة الغش من ارتفاع للمجاميع وغيره يضر بالجميع دون استثناء.
ما بين الستر والتستر
خلاصة القول أن هناك فرق بين الستر والتستر، فجميعنا ضد الغش ونبذه بقوة، إلا أن طريقة التعامل مع المتهمين بالغش هي الأهم بالنسبة لنا، والتي ينبغي أن تسير بشكل قانوني رادع من حرمان من الامتحانات أو إقصاء الطالب الذي ثبت عليه الاتهام من الالتحاق بالثانوي العام كله، وهو أمر أجده بسيط أمام الضرر الكبير الذي يلحق بكل طلاب الجمهورية جراء فعلة الغش والتسريب المخزية.
وقال الدكتور محمد كمال، أستاذ الأخلاق بجامعة كفر الشيخ، أن نشر بيانات طلاب الثانوية العامة المتهمين بالغش وتسريب الامتحانات، لا يجوز ويعتبر إدانة لهم قبل صدور سند قانوني وحكم قضائي نهائي ضدهم.
مخالفة القواعد القانونية
وأوضح كمال لـ”صدى البلد جامعات”، أن هناك قاعدة قانونية ثابتة وهي أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، وهذه الإدانة تكون بحكم قضائي نهائي بتهمة الغش الذي أصبح جريمة طبقا للقانون، وأما من الناحية الأخلاقية والتربوية فمن غير الجائز نشر بيانات الطلاب بالتفصيل لأنه يمثل تحقير لهم في نظر ذويهم، ويسبب ضرر نفسي كبير لهم ويجوز لهم مقاضاة الوزارة في حالة عدم ثبوت التهمة.
وتابع أستاذ الأخلاق أن الوزارة تداركت هذا الخطأ في الأيام التالية من امتحانات الثانوية العامة، واكتفت بكتابة الأحرف الأولى من بيانات الطلاب المتهمين بالغش أو تسريب الامتحان، وسمحت لهم بتأدية امتحانات باقي المواد لحين انتهاء التحقيقات.