أكد الدكتور عاصم عبدالمجيد حجازي، أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية جامعة القاهرة، أن قطاع التعليم شهد في السنوات الأخيرة تطورا ملموسا واهتماما بالغا من الدولة، وعلى رأس أولويات التطوير كان التحول الرقمي في التعليم لمواكبة المستجدات العالمية وتطوير العقل المصري وطريقة تناول ومعالجة المعلومات لدى الطالب المصري بهدف تخريج أفراد قادرين على المنافسة على المستوى العالمي وقادرين على تحقيق آمال وطموحات المجتمع المصري في التنمية والتقدم.
وأكد أن كل تجربة جديدة يقابلها في البداية مجموعة من التحديات والعوائق التي تؤثر عليها في بدايتها ويعتبر التعرف على هذه العوائق والعمل على تلافيها وعلاجها هو من أهم الخطوات التي يجب مراعاتها لإتمام نجاح التجربة.
وأشار إلى أنه برزت مشكلات بعد تعميم تطبيق البابل شيت كنظام أساسي لامتحانات الثانوية العامة منها ما يرتبط بنظام الأسئلة والبابل شيت ومنها ما يرتبط بأولياء الأمور ومنها ما يرتبط بالطلاب أنفسهم.
وأوضح أنه فيما يخص الشكاوى المتكررة من طول الأسئلة وعدم مناسبتها للوقت المحدد للاختبار كما أن بعض الشكاوى تناولت طريقة صياغة الأسئلة وترتيب البدائل, كما أن معظم شكاوى أولياء الأمور والطلاب في هذا الشأن كانت تدور حول عدم وجود أسئلة من المقرر الذي درسه الطالب بشكل مباشر.
وأضاف أن هناك شكاوى من أولياء الأمور و الطلاب أيضا تدور في معظمها حول عدم تمكنهم من حل جميع الأسئلة وبالتالي عدم إمكانية الحصول على الدرجة النهائية في الامتحان.
ووجه نصائح لتلافي حدوث مثل هذه المشكلات مستقبلا يجب مراعاة مجموعة من النقاط:
– إن السبب الرئيسي في مثل هذه الشكاوى يكمن في عدم الإدراك الكافي من قبل بعض أولياء الأمور والطلاب وبعض المعلمين أيضا لطبيعة النظام الجديد للتعليم وما يتطلبه من تغيير في طريقة تناول ومعالجة المعلومات وطريقة التقويم أيضا و هنا لابد من عقد ندوات وورش عمل لكل من الطلاب وأولياء المور لشرح وتوضيح الأسس العلمية التي يبنى عليها النظام الجديد في التعليم والتقويم وما يتميز به من تحقيق لمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب والقضاء على معظم الظواهر السلبية التي تصاحب امتحانات الثانوية العامة باستمرار.
– ومن الأمور الهامة التي يجب مراعاتها تدريب المعلمين والطلاب على النظام الجديد للتعليم والتقويم تدريبا مكثفا , وقد بدا واضحا أن هذا الجانب يعتريه بعض القصور خاصة أن التدريبات التي تقدم للمعلمين كانت تهتم بشرح كيفية الدخول على المنصات التعليمية وتوظيفها في العملية التعليمية وهذا غير كافي لتدريب المعلمين والطلاب على النظام الجديد , حيث إن النظام الجديد لا يتميز فقط بالاعتماد على التكنولوجيا والمنصات الرقمية وإنما يتميز بتغيير جذري في طرق معالجة المعلومات وهو ما يستدعي تغييرا جذريا أيضا في طرق التدريس واستخدام طرق تتناسب مع الطرق الجديدة لمعالجة المعلومات كالاستقصاء الموجه وحل المشكلات وطريقة المشروعات وغيرها من طرق التعلم النشط , وبالتالي فإن الطالب الذي سيتم امتحانه في نهاية العام بنظام الكتاب المفتوح يجب أن يتم تدريس المحتوى له بالطريقة التي تناسب هذا النوع من الامتحانات , فمن غير المعقول أن تظل القنوات التعليمية والمعلمين في المدارس والمنصات التعليمية تستخدم في معظم الأحيان أسلوب المحاضرة والتلقين في التدريس ثم يكون الامتحان بنظام الكتاب المفتوح وحل المشكلات, وبالتالي فإن المطلوب تدريب الطلاب ليس فقط على استخدام التكنولوجيا في التعلم وإنما على طريقة المذاكرة والتحصيل وفقا للنظام الجديد وأيضا طريقة الإجابة على أسئلة الكتاب المفتوح , وتدريب المعلمين على كيفية التدريس باستخدام طرق تساعد الطلاب على الوصول إلى مستويات أعلى من هرم التعلم, وتدريب واضعي الأسئلة على كيفية وضع الأسئلة بطريقة تمكنهم من قياس المستويات المعرفية العليا للطلاب عن طريق حل المشكلات.
– ويمكن في هذا الاطار أيضا اقتراح انشاء هيئة قومية للقياس والتقويم تكون مهمتها مراقبة ومتابعة والاشراف على كل ما يخص عملية القياس والتقويم بالمدارس المصرية والعمل على إنشاء بنوك أسئلة قوية للمواد المختلفة لضمان جودة الأسئلة وتمتعها بالمعايير العلمية اللازمة تمهيدا لتطبيق الامتحان في السنوات القادمة اعتمادا على هذه البنوك , حيث إن الاعتماد على بنوك الأسئلة يسهم في القضاء نهائيا على مشكلات الغش وتسريب الامتحانات.
– كما أن طريقة وضع أسئلة لقياس الفهم والتطبيق والتحليل و التقويم بنظام الكتاب المفتوح تحتاج إلى تدريب خاص حيث إنها تختلف عن الطريقة القديمة لوضع الأسئلة و يجب أن تتم عملية وضع الأسئلة تحت إشراف أساتذة علم النفس التربوي باعتبارهم متخصصين في القياس والتقويم التربوي والنفسي.
اما فيما يخص مشاعر القلق والرعب التي سيطرت على الطلاب وأولياء الأمور فالسبب الرئيسي فيها هو اعتبار الثانوية العامة ماراثون بمعنى أن الجميع يتسابقون للوصول لهدف واحد وهو ما يطلق عليه كليات القمة بصرف النظر عن كون هذا الهدف مناسبا لقدراتهم ويمكنهم تحقيق النجاح فيه أم لا , ومتى ما تخلصنا من هذه المفاهيم الخاطئة وأصبح كل طالب يسعى للوصول إلى الأهداف المناسبة لقدراته وميوله فإن حدة هذا الصراع ستختفي وتختفي معها مشاعر القلق والرعب التي نراها ونشاهدها باستمرار , لذلك يجب على الإعلام أن يكثف العمل على تغيير مفاهيم ومعتقدات الطلاب وأولياء الأمور نحو مفهوم النجاح والتحول من مفهوم النجاح المحصور في مسار واحد ونطاق ضيق إلى مفهوم أكثر اتساعا وأكثر رحابة تتعدد فيه الطرق والمسارات بتعدد أهداف وقدرات الطلاب.
كما أن إعلاء المصلحة العليا للوطن فوق المصالح والرغبات الشخصية وإدراك أهمية أن تمتلك الدولة نظاما تعليميا قويا يعمل على تخريج طلاب قادرين على تحقيق التطور والتنمية في المجتمع والذي يعتمد بدوره على كافة التخصصات العلمية والمهنية يعمل على تقليل حدة هذا التوتر والقلق أيضا.
كما يجب على أولياء الأمور أن يدركوا أن الفرص متساوية ومتكافئة أمام الجميع فلا داعي لإظهار مشاعر قلق مبالغ فيها أمام الطلاب كنوع من التعبير عن الحب لهم أو التضامن معهم أو الأمل في وصولهم إلى كليات القمة , حيث إن هذا الشعور بالقلق تنتقل عدواه إلى الطلاب سريعا ويؤثر بالضرورة على أدائهم الأكاديمي وقدرتهم على اجتياز الاختبار بتفوق.
وينبغي الإشارة إلى عنصر آخر مهم يغفل عنه أولياء الأمور ويتسبب في الكثير من القلق لدى الطلاب , وهو المبالغة في التوقعات , حيث يتوقع أولياء الأمور من أبنائهم مستويات نجاح أعلى مما يمتلكونه بالفعل , ويسهم ذلك في تعريض الطالب لضغوط نفسية كبيرة تؤثر أيضا على أدائه الأكاديمي وقدرته على اجتياز الاختبار, لذلك يجب أن تكون التوقعات مناسبة لقدرات الطالب.
كما أن بعض الطلاب لديهم ميول كمالية يسعون للحصول على الكمال والمثالية في كل شيء وتنتابهم مشاعر الحزن والتوتر والقلق لمجرد فقد نصف درجة في الامتحان وهؤلاء يحتاجون إلى دعم نفسي من قبل الأهل والمعلمين لتصحيح مفاهيمهم ومساعدتهم على تقبل ذواتهم كما هي والتيقن من أن النقص سمة بشرية لا يمكن التخلص منها.