يقف العالم، في الوقت الحالي، على أعتاب كارثة مناخية جديدة، تسعى إلى رسم ملامح جديدة للعالم الذي نعرفه، خلال السنوات القليلة القادمة، حتى وإن تكاتفت جهود البشر لاحتواء أزمة الاحتباس الحراري الذي يشهدها العالم حاليًا، وهو الأمر الذي ينذر بالخطر فيما يتعلق بمستقبل الأجيال القادمة والحياة على كوكب الأرض.
كارثة جديدة تواجهها الكرة الأرضية
ووفقًا لمسودة تقرير أعدها خبراء المناخ في الأمم المتحدة، والتي حصلت عليها وكالة”فرانس برس”، ستدمر كارثة التغير المناخي، الحياة المعروفة حاليًا على كوكب الأرض، حيث سيتسبب في شح المياه وسوء التغذية وانقراض أنواع من الحيوانات والنباتات.
وتابع التقرير، أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تتوقع أن التأثيرات المدمرة للاحتباس الحراري ستأخذ في التسارع تدريحيًا حتى إذا انخفضت وتبرة انبعاثات الغازات الدفيئة.
وجاء في الملخص الفني الواقع في 137 صفحة، أن الحياة على الأرض يمكن أن تتعافى من تغير مناخي كبير عبر الانتقال إلى أنواع جديدة وإقامة أنظمة بيئية جديدة، مضيفًا أنه على الرغم من ذلك لن تكون البشرية قادرة على فعل الأمر نفسه.
هذا وخص تقرير التقييم الكامل الواقع في 4 آلاف صفحة، وهو أكثر تشاؤماً بكثير من التقرير السابق الصادر العام 2014، لتوفير معلومات تؤخذ على ضوئها القرارات السياسية، ولكنه لن ينشر قبل فبراير 2022 بعد موافقة الدول الأعضاء الـ195 في الأمم المتحدة بالإجماع عليه، ويعتبر بعض العلماء أن هذا الموعد متأخر جدًا بالنسبة إلى الاجتماعات الدولية المهمة حول المناخ والتنوع الحيوي التي ستُعقد في أواخر العام 2021.
وتعهد العالم عبر توقيع اتفاق باريس حول المناخ في 2015، بحصر الاحترار المناخي بأقل من درجتين مئويتين أو حتى 1،5 درجة مقارنة بحقبة ما قبل الثورة الصناعية، كما أنه منذ عشر سنوات، كانت عتبة الدرجتين تعتبر مقبولة، مع هامش أمان ضئيل، ولكن تعتبر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في الوقت الحالي، أن تجاوز 1،5 درجة مئوية قد يتسبب تدريجياً، بعواقب وخيمة، على مدى قرون، لا يمكن الرجوع عنها أحيانًا.
وأشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قبل فترة قصيرة إلى وجود احتمال بنسبة 40% أن يتمّ تجاوز عتبة 1،5 درجة مئوية على أساس سنوي بحلول العام 2025، فيما حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من أن الأسوأ قادم.
حيوانات مهددة بالانقراض
ويرى التقرير، أنه مع ارتفاع حرارة الأرض 1،1 درجة مئوية منذ منتصف القرن التاسع عشر، باتت التداعيات خطرة من الآن، وستزداد حدة حتى لو لجمت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وسيكون الأطراف الذين يتحملون أقل قدر من المسؤولية عن هذه الانبعاثات، أكثر من يعانون، كما ستتغير ظروف الحياة بما يتجاوز قدرة بعض الكائنات على التكيف، مشيراً إلى الشعاب المرجانية التي يعتمد عليها نصف مليار شخص.
ومن بين الأصناف المهددة أيضًا، حيوانات القطب الشمالي الذي ترتفع حرارته ثلاث مرات أسرع من المعدل الوسطي، ما قد يتسبب بالقضاء على نمط حياة الناس الذين يعيشون بارتباط وثيق بالجليد.
تحذير من مجاعات متوقعة
ويلفت التقرير، إلى أن في كل أنظمة الإنتاج الغذائي من الزراعة وتربية الحيوانات إلى الصيد وتربية الأحياء المائية، الخسائر المباغتة تتزايد، مشيراً إلى أن التقلبات المناخية هي المحرك الرئيسي لها، موضحًا أنه حتى مع حصر الاحترار المناخي بأقل من درجتين مئويتين، سيواجه ما يصل إلى 80 مليون شخص إضافي الجوع بحلول العام 2015، فيما قد يغرق 130 مليون شخص إضافي في الفقر المدقع في غضون عشر سنوات.
التأثير المباشر على المناخ
وتوقع التقرير، أنه في العام 2050، سيتعرض مئات الملايين من سكان المدن الساحلية للخطر، بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر، ما سيؤدي أيضاً إلى موجات نزوح كبيرة، ومع حصر الاحترار المناخي بـ1،5 درجة مئوية، سيواجه 350 مليون شخص إضافي من سكان المدن شحًا في المياه، ليرتفع العدد إلى 400 مليون شخص في ظل درجتين مئويتين. ومع النصف درجة الإضافية هذه، سيكون 420 مليون شخص إضافي مهددين بموجات حر شديدة.
من جهة أخرى، يلفت التقرير إلى خطر الآثار المتتالية لهذه الكارثة المناخية، حيث قد تتعرض بعض المناطق (شرق البرازيل وجنوب شرق آسيا ووسط الصين) وكل المناطق الساحلية لثلاث أو أربع كوارث مناخية متزامنة وحتى أكثر، تتمثل في: موجات حر وجفاف وأعاصير وحرائق وفيضانات وأمراض يحملها البعوض.
وبحسب التقرير، يجب الأخذ بالاعتبار الآثار المفاقمة لأنشطة مضرة أخرى للكوكب يقوم بها الإنسان، وهي: تدمير المواطن الطبيعية واستغلال الموارد البيئية والتلوث وتفشي الأمراض، والتي قد تعجل من ظهور كارثة مناخية.
وثمة أيضاً شكوك حول بعض النقاط الحاسمة، والتي تعتبر عناصر أساسية قد يؤدي تغييرها جوهريًا إلى تبدل جذري ولا رجعة عنه في النظام البيئي، ففي حال تخطى الاحترار المناخي الدرجتين المئويتين، قد يتجاوز على سبيل المثال ذوبان الصفائح الجليدية في غرينلاند وغرب القطب الجنوبي، اللذين يحتويان على كمية كافية من المياه لرفع مستوى مياه البحر 13 مترًا، نقطة تحول لا يمكن الرجوع عنها، بحسب أبحاث أُجريت في الفترة الأخيرة.
ويؤكد التقرير، أنه لهذا السبب كل جزء من درجة مئوية يعد أمرًا هامًا، في وقت قد تشهد منطقة الأمازون، والتي تعد إحدى رئات كوكب الأرض إلى جانب المحيطات، نقطة تحول أخرى بعدما تضاءل عدد الأشجار فيها، وفي مواجهة هذه المشاكل في النظم، لا يتوافر حل سحري واحد. في المقابل، وبالتالي قد تكون لخطوة واحدة تأثيرات إيجابية متتالية.
ورغم تقييمه المقلق جدًا، يعطي التقرير بعض الأمل، فلا يزال بإمكان البشرية أن توجه مصيرها نحو مستقبل أفضل عبر اتخاذ تدابير حازمة فورية للحدّ من تسارع وتيرة التغير المناخي في النصف الثاني من القرن، مشيرًا إلى أن العالم في حاجة إلى تحول جذري للآليات والسلوكيات على مستوى الأفراد والجماعات والشركات والهيئات والحكومات، كما لا بد من إعادة تحديد نمط الحياة والاستهلاك.