انطلقت صباح اليوم فعاليات المؤتمر الدولي الثاني لإعلام الأزهر: “وسائل الإعلام ودورها في تحقيق السلم المجتمعي والأخوة الإنسانية” برعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر ، وحضور الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، والدكتور محمد الشربيني، نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، والدكتور محمد فكري، نائب رئيس الجامعة لفرع البنات، والدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور غانم السعيد، عميد كلية الإعلام، والدكتور رضا عبد الواجد أمين، وكيل الكلية، ولفيف من السادة أعضاء هيئة التدريس والباحثين من داخل جامعة الأزهر وخارجها حضوريًّا وكذا عبر تطبيق “zoom”.
بدأت الجلسة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، والوقوف دقيقة، حدادًا على أرواح ضحايا حادث تصادم قطاري سوهاج، ثم كلمة عميد الكلية الدكتور غانم السعيد، رحّب خلالها بالحضور، مشيرًا إلى أن الأبحاث التي تقدمت للمؤتمر عالجت كثيرًا من القضايا المرتبطة بدور الإعلام في تحقيق السلم المجتمعي وقيم الأخوة الإنسانية، موجهًا الشكر لرئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي، على جهوده في نهضة مصر وتقدمها، والدكتور أحمد الطيب، الراعي الأول لهذا المؤتمر، صاحب الدور الرئيس في وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقّعها مع البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، والتي تعد من أهم وثائق العصر الحديث.
وقال الدكتور رضا أمين، وكيل الكلية: إن الكلية تهدف إلى إحياء الوعي بقضايا الأمة والوطن، من خلال إرساء مبادئ الإعلام القيمي الذي يبني ولا يهدم، ويوضح الحقائق، ويأخذ بأيدي الجماهير إلى مرحلة الوعي بقضايا الوطن وفق مبادئ العمل الإعلامي الرشيد وأخلاقياته، مؤكدا أنها لا تهدف فقط إلى تخريج إعلاميين مؤهلين ومدربين على أفضل ما يكون، بل تهدف إلى تخريج إعلاميين ذوي قيم، يخشون الله ويراقبونه في أداء رسالتهم، ويحفظون للمجتمع تماسكه، وكل ما من شأنه تحقيق السلام والوئام بين عناصره ومكوناته.
وأضاف أن موضوع المؤتمر الدولي الثاني لكلية إعلام الأزهر جاء من الدعوة التي أطلقها فضيلة الإمام الأكبر للتآخي والسلام بين شعوب الأرض أيًّا كان لونهم أو عرقهم أو معتقداتهم.
وتحدث الدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، المشرف العام على قطاع المستشفيات الجامعية، عن دور الكلمة في الإسلام ومكانتها وخطورتها، خاصة في الوقت الحالي، مؤكدًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عانى من كلمات المنافقين الذين كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون.
في سياق متصل، أكد الدكتور نظير عياد، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، حاجة الإنسانية في الواقع المعاصر لتحقيق مبادئ التسامح والسلام والتعايش وقيمها بين جميع الناس على الرغم من اختلاف الثقافات والعقائد، مشددًا على الحاجة الماسة إلى تنزيل هذا المفهوم على أرض الواقع حتى تنعم الإنسانية بشيء من الطمأنينة والاستقرار.
وأضاف عياد أن للإعلام أهمية كبرى وتأثير كبير – باختلاف أشكاله سواء المقروء أم المسموع أم المرئي منه – وهو ما يؤكد ضرورة الدور الأكبر والمحوري الذي يمكن أن يقوم به في إقرار مفاهيم التسامح والسلم المجتمعي وأواصر الأخوة الإنسانية.
وأشار عياد إلى ما تقوم به مؤسسة الأزهر العريقة بقيادة شيخها الجليل فضيلة الإمام الأكبر من جهود ومبادرات متواصلة تسعى جميعها لأن يعم الأمن والسلام بين الناس جميعا، مؤكدًا أن “وثيقـة الأخـوة الإنسـانية ” التي وقعها أكبر رمزين دينيين على مستوى العالم، وهما: فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان؛ قد جاءت من أجل ترسيخ ثقافة الحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والمجتمعات، ومحاولة القضاء على تلك الحروب والصراعات والنزاعات الطائفية البغيضة التي أنهكت البشرية جمعاء، وأزهقت كثيرًا من النفوس والأرواح، وخلفت عددًا لا يحصى من اليتامى والأرامل والضعفاء والمساكين.
وشدد عياد على أن تلك الجهود المباركة، وهذه المبادئ السامية لن يكتب لها النجاح إلا بإعلام هادف يؤمن بقضية الأخوة الإنسانية ومبادئها، ويتخذ من التسامح وثقافة التعايش رسالة سامية.
وأضاف أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، أنه إذا كانت الوثيقة قد خرجت إلى النور في وقت عصيب تحتاج إليه الإنسانية؛ حيث إنه توقيت غاب فيه الضمير الإنساني عند بعض الناس في علاج المشكلات وحلها، عندما ظن أن القوة العسكرية واستهداف النفوس وإزهاق الأرواح هي السبيل الأمثل في علاج المشكلات وحلها، وتناسى أن النفس البشرية معصومة بأمر الله – تعالى – مهما كان جنسها أو لونها أو دينها طالما كانت مسالمة بريئة، وتجاهل كذلك ثقافة الحوار البناء وضرورة التعايش السلمي وتأثيرهما في الاستقرار المجتمعي والدولي، فإنني أعتقد أن تغيير تلك المفاهيم وإحالة العالم جميعًا إلى منظومة الحوار هي مهمة تسويقية وترويجية في المقام الأول تحتاج إلى تضافر جميع وسائل الإعلام المحلية منها والدولية.
ووجه عياد رسالة إلى المؤسسات التعليمية في مجال الإعلام بأن تكون مناهجهم وبحوثهم العلمية ثرية ومعنية بقضايا الحوار ومفاهيم التعايش المشترك ومبادئ الأخوة الإنسانية، وبحث التحديات التي تواجه الأخوة الإنسانية والمنهجية الصحيحة في التغلب عليها، كما وجه رسالة إلى المؤسسات الإعلامية على اختلاف أشكالها بأن تحظى مفاهيم الأخوة الإنسانية بنصيب أكبر مما يخصص لها، كأن تكون هناك أعمال درامية متجددة وبرامج حوارية متنوعة تعزز مبادئ الأخوة الإنسانية وتؤكد على قيم العيش المشترك، وأن تكون الأخوة الإنسانية هي الزاد الرئيس لوسائل التواصل الاجتماعي، وبديلًا عن مضامين فارغة المعنى، مضيعة للوقت، وأن تضع مبادئ “التجمع الإعلامي العربي من أجل الأخوة الإنسانية” الذي انعقد في فبراير لعام 2020م بمدينة “أبو ظبي” موضع الاهتمام والرعاية.
وخلال كلمة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، قال: إن تنظيم كلية الإعلام لمؤتمرها الدولي الثاني بعنوان: “وسائل الإعلام ودورها في تحقيق السلم المجتمعي والأخوة الإنسانية” دليل على أن الكلية متفاعلة ومواكبة لما يجري في الساحة من حراك اجتماعي وإعلامي وديني، متوقعًا أن يحمل هذا المؤتمر كثيرًا من المضامين والمفاهيم التي تحتاجها الأمة، خاصة في ظل ما تشهده الساحة الإعلامية من تحديات تهدد الاستقرار وتشيع الفوضى، ناقلًا في الوقت ذاته تحيات الإمام الأكبر شيخ الأزهر لكل القائمين على تنظيم المؤتمر، وجميع الباحثين المشاركين فيه، ودعواته بأن يحقق هذا المؤتمر أهدافه المنشودة.
وأشار وكيل الأزهر خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية بالمؤتمر إلى أن الإعلام قادر على التأثير في عقول الناس وقلوبهم، ومن ثم في سلوكياتهم واتجاهاتهم، مؤكدًا أن الاعتماد على الإعلام البصير الصادق أصبح ضرورة لا غنى عنها، وهو ما أكد عليه الشرع الحنيف بأن المسلم عليه أن يتحرى ما يتلفظ به؛ لأن كلامه مسجل عليه، ومؤاخذ به، قال الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».
وأضاف وكيل الأزهر أنه إذا كانت وسائل الإعلام في متناول أيدينا وملء بيوتنا، بل وجيوبنا، فينبغي أن تكون هذه الوفرة دافعًا إلى مزيد من التقدم والتحضر والرقي؛ ولكن بعض الناس للأسف اتخذ وسائل الإعلام منصة لنشر شائعات أو أخبار أو صور أو فيديوهات، دون التأكد من صحة ما تحتويه، أو البحث في مآلات نشره، وآثاره على السلم العام والأمن والاقتصاد وزعزعة فكر الناس وتزييف وعيهم، فضلا عما يجري فيها من تلاسن يأباه النبلاء والعقلاء.
كما حذر وكيل الأزهر من مخاطر انتشار الشائعات، وخطرها على الأوطان ومؤسسات الدولة، موصيًا المؤسسات التعليمية والدعوية والاجتماعية والإعلامية بوضع البرامج المناسبة للحد من الشائعات وآثارها السلبية، كما حذر من انتشار الفن الذي يضر المجتمع، مع الإشادة بالأعمال الفنية الهادفة التي ترسخ القيم المجتمعية والأخلاقية، وتنشر الفضيلة، والعمل على تقديم قدوات صالحة ومفيدة للشباب بدلًا من تقديم المجرمين والمفسدين في صورة جذابة ومرحة تقتل في نفوس الشباب الإحساس بجرم المعصية.
وفيما يتعلق بالفضاء الإلكتروني، أكد وكيل الأزهر على أهمية مراقبته، وحجب ما يضر منه من مواقع تروج للتطرف والعنف، وتنشر الفواحش والإباحية، والدعاية الوهمية التي تستغل الناس، والعمل على منع الألعاب الإلكترونية التي تتسبب في الأمراض النفسية وتدفع البعض إلى الانتحار، كذلك يجب منع غير المتخصصين، وغير المؤهلين من التحدث في الشأن الديني وخاصة الشأن العام، وسن العقوبات الزاجرة والرادعة للمتجاوزين في هذا الشأن.