كتب- هدير علاء الدين
يعتقد البعض أن فيروس كورونا المستجد، والذي ظهر منذ عام تقريبًا، بمدينة ووهان الصينية، هو أكثر الأوبئة شراسة، التي مرت على البشرية بأكملها، إلى الحد الذي جعل الكثير يطلق على عام 2020 “عام كورونا”، ويصفه ب”العام التعيس” وما إلى ذلك من المسميات المرتبطة بالأحداث غير السارة التي عايشها العالم أجمع خلال العام الماضي، والتي من المعتقد أن تمتد تبعاتها للعام الجديد الحالي.
ولكن مع تتبع تاريخ الأوبئة والفيروسات التي اجتاحت العالم منذ قديم الزمان، نجد أن فيروس كورونا لا يمثل سوى نقطة في بحر، للتعرف على أشهر الأوبئة التي ضربت العالم أجمع، وكيف استطاعت البشرية التصدي لها نقدم هذا التقرير..
تاريخ من الأوبئة يسبق كورونا
طاعون أثينا
يعد طاعون أثينا من أول الأوبئة التي وثقها التاريخ عام 430 ق.م، واستمر هذا الوباء لقرابة 5 سنوات؛ ليحصد أرواح حوالي 100000 شخص بأثينا، أي ما يقرب من ثلث السكان، وهو ما يعد بمثابة جائحة كبرى، حيث قال ثيوسيديدس، المؤرخ الإغريقي، على إثرها، واصفًا أحوال المصابين خلال هذه الفترة، أن أحد أسوء أعراض الطاعون، تتمثل في اليأس الذي تم بثه في نفوس المرضى، لاعتقادهم بصعوبة الشفاء والتعافي من هذا المرض.
وقد ذكر تقرير صادر عن موقع BBC، أن اليونان استطاعت أن تقدم درسًا للتاريخ، حول كيفية الخروج من الأزمات المشابهة، وذلك بفضل تمسكها بالروح الإيجابية، والتكاتف الواضح بين أبنائها.
الطاعون الأنطوني
ضرب الطاعون الأنطوني، الإمبراطورية الرومانية، عام 165 ميلاديًا، وقد سمي بهذا الاسم، نسبةً إلى السلالة الأنطونية التي كانت تحكم الإمبراطورية الرومانية، في ذلك الوقت، وتميز هذا الوباء بقدرته السريعة على الانتشار، حيث تسبب في وفاة ما لا يقل عن 2000 شخص يوميًا.
وتمثلت أعراض المرض، التي كانت تبدأ في الظهور مع بداية اليوم التاسع من الإصابة في: الحمى، والإسهال، والتهاب البلعوم، بالإضافة إلى تهيج الجلد، وأحيانًا جفاف الجلد، أو تقيحه، وذلك وفقًا لما رصده الطبيب الإغريقي جالينوس في هذا الوقت، وبناءً على ذلك يعتقد العلماء أن الطاعون الأنطوني هو مرض الجدري، الذي نعرفه الآن.
طاعون جستنيان
اجتاح طاعون جستنيان، الإمبراطورية البيزنطية، ما بين عامي 541 و 542 ميلاديًا؛ ليتسبب في وفاة ما يقرب من 25 إلى 50 مليون شخص خلال قرنين، أي ما يعادل 13-26% من سكان العالم، بالإضافة إلى الخسائر التي ألحقها بالإمبراطورية البيزنطية، من حيث تضاءل نفوذها.
وقد تعاملت الإمبراطورية البيزنطية هذه الأزمة، التي كان تعاود في الظهور من فترة لأخرى، بشيء من الحكمة، حيث أمر الإمبراطور جستنيان الأول، بمساعدة الناس في دفن جثث الضحايا بحفر جماعية، صُممت على أساس عمق معين، لمنع انتشار العدوى مرة أخرى، ومع ارتفاع معدلات الإصابة، لجأت السلطات حينها، للتخلص من الجثث من خلال إلقائها بالبحر.
وقد ذكر مجموعة من الباحثين، بجامعة أوسلو، في دراسة تم نشرها، بمجلة “بروسيدنجز” العلمية، أن من أهم الإجراءات الوقائية التي تم اتخاذها في أوروبا ضد الطاعون، بأنواعه المتعددة، هي: فحص السفن القادمة لأوروبا، بحثًا عن آثار للوباء، ورصد حالات الاشتباه بالإصابة بالمرض لدى ركاب السفن، بالإضافة إلى تأكدهم من نظافة السفن، وخلو حمولتها من أي آثار تلوث، مما أدى إلى الحد من انتشار الوباء فيما بعد.
الطاعون الأسود
انتشر الطاعون الأسود، في القرن الرابع عشر، ما بين عامي 1348 و 1349، بآسيا الوسطى ثم انتشر إلى دول البحر الأبيض المتوسط، وقد أدى إلى وفاة ثلث سكان أوروبا، حيث أودى بحياة ما بين 30-40% من السكان خلال خمس سنوات فقط، ولذلك أطلق عليه البعض “الموت الأسود“.
وقد سبب الطاعون الأسود، نوع من البكتيريا، سمى باسم “يرسينيا طاعونية”، نسبةً إلى مكتشفها الأول الطبيب الفرنسي السويسري ألكسندر يرسن، حيث اكتشف احتفاظ القوارض مثل: الفئران، بهذه البكتيريا، التي تنمو وتتكاثر بداخلها، ثم تقوم بنقل العدوى للإنسان، عن طريق البراغيث التي تلدغ الفأر المعدِى ثم تلدغ الإنسان، أو نتيجة عض الفئران المعدية للإنسان بشكل مباشر، أو من إنسان إلى آخر بشكل مباشر عن طريق الرذاذ والكحة والعطس في حالة الطاعون الرئوي.
الكوليرا
تفشى وباء الكوليرا، خلال القرن ال19، بأوروبا الغربية أولًا، ثم اتجه نحو القارة الأمريكية، كما عاودت الظهور مرة أخرى، في شكل 6 جوائح من المرض، حصدت أرواح الملايين من البشر حول العالم، حيث تتسبب في عدوى حادة للمصاب، قادرة على أن تودي بحياته خلال ساعات قليلة، إن تُركت من دون علاج، وذلك وفقًا لما نشرته منظمة الصحة العالمية.
وعن طرق العلاج، ذكرت “الصحة العالمية”، أنها تتمثل في إعطاء المصابين، محاليل الإمهاء الفموي، حيث يُذاب محتوى الكيس القياسي من محلول الإمهاء الفموي الذي توزّعه المنظمة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في لتر واحد من المياه النظيفة، وقد يحتاج المريض البالغ إلى كمية تصل إلى 6 لترات من هذا المحلول لعلاج الجفاف المعتدل في اليوم الأول من إصابته بالمرض، موضحةً أنه لا يُوصى بإعطاء المضادات الحيوية على نحو جماعي، لأنها لا تؤثر بشكل فعال على انتشار الكوليرا.
الآنفلونزا الآسيوية
انتشرت الآنفلونزا الآسيوية، في الصين، ما بين عام 1956 و عام 1958، حيث تمثل الفيروس المسبب للعدوى في H2N2””، والذي انتشر في سنغافورة، وهونغ كونغ، ثم الولايات المتحدة، ليخلف وراءه وفاة أكثر من مليون شخص حول العالم.
الآنفلونزا الأسبانية
ظهرت في عام 1918، بأوروبا، ثم انتشرت إلى العالم كله، لتحمل فيروس الإنفلونزا الخطير “H1N1”، والذي تميز بقدرته الفائقة على الانتشار والعدوى، فقد أصاب مئات الملايين حول العالم، كما تم تسجيل أكثر من 50 مليون حالة وفاة، وذلك بحسب المراكز الأمريكية للوقاية من الأمراض.
وقد شهد العالم ثلاث موجات من الإنفلونزا الأسبانية، وقد رجح العلماء أن أكثرهم شراسة تمثل في الموجة الثانية، التي بدأت بالظهور أواخر أغسطس لعام 1918، وقد تشابهت أعراضها بشكل كبير مع أعراض فيروس كورونا المستجد، التي تعاني البشرية من تبعاته حتى الآن، من حيث: الصداع، وصعوبات الجهاز التنفسي والسعال، وارتفاع درجة الحرارة.
وذكر تقرير صادر عن euro news، أن الأكاديميون اتفقوا على أن نهاية الوباء حدثت في عام 1920 ، عندما نجح المجتمع في تطوير مناعة جماعية ضد الإنفلونزا الإسبانية، على الرغم من أن الفيروس لم يختف تمامًا.
الإيدز
هو مرض يصيب الجهاز المناعي للإنسان، ويسببه فيروس “HIV”، الذي قد يؤدي بدوره إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي للإنسان، بشكل تدريجي، ومن ثم يصبح المريض عرضة للإصابة بأنواع من العدوى الانتهازية والأورام، وقد ظهر الإيدز أول مرة عام 1976، في الكونغو وانتشر في مختلف أنحاء العالم، وتسبب في حصد أرواح حوالي 33 مليون شخص حتى الآن، وذلك بحسب منظمة الصحة العالمية.
كما ذكرت “الصحة العالمية” أيضًا، أنه يمكن تشخيص الفيروس عن طريق اختبارات التشخيص السريعة التي تظهر نتائجها في اليوم نفسه، كما أكدت على إتاحة فرص الاختبارات الذاتية لفيروس العوز المناعي البشري بصورة متزايدة، مؤكدةً أن الاختبار السريع، والاختبارات الذاتية تسهل من عملية التشخيص وتقديم الرعاية الصحية المناسبة، من خلال تقديم الأدوية الفعالة المضادة للفيروسات، والتي يمكنها السيطرة على الفيروس، والمساعدة على منع انتقاله إلى أشخاص آخرين.
انفلونزا الخنازير
ضرب وباء إنفلونزا الخنازيرالعالم، في عام 2009، حيث تم اكتشافه لأول مرة بالمكسيك، ثم استمر في الانتشار بالعديد من دول العالم، وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية أن إنفلونزا الخنازير، تعتبر من أكثر الفيروسات خطورة، حيث تتمتع بقدرة تغير سريعة، بالإضافة إلى أنها تمثل مزيج ما بين مجموعة من الفيروسات، منها:
فيروس الإنفلونزا “ج “، وفيروس الإنفلونزا “H1N1” ، وفيروس الإنفلونزا “H1N2”، وفيروس الإنفلونزا ” H3N1″، وفيروس الإنفلونزا “H3N2”، وفيروس الإنفلونزا “H2N3”.
وقد هاجمت هذه الفيروسات، الجهاز التنفسي للمصابين، مما يجعلها تتشابه مع فيروس كورونا المستجد، حيث تمثلت أعراضها في: الحمى، والسعال، والتهاب الحلق، وآلام الجسم، وصداع الرأس، والقشعريرة، والإعياء، وفي بعض الحالات، يعاني الأشخاص المصابون بإنفلونزا الخنازير من القيء والإسهال.
ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض، فقد أصيب ما يصل إلى 60 مليونا و800 ألف شخص، بإنفلونزا الخنازير، في الفترة ما بين 12 أبريل 2009 حتى 10 أبريل 2010، وأودت بحياة الآلاف حول العالم.
وعن العلاج، ذكرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ، أنه تم علاج إنفلونزا الخنازير، من خلال الأدوية المضادة للفيروسات، ومنها: أوسيلتاميفير فوسفات (تاميفلو)، أو زاناميفير (ريلينزا)، أو بيراميفير (رابيفاب)، أو بالوكسافير مار بوكسيل.