نظمت كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بأسيوط ندوة ثقافية عن أثر الحضارة العربية والإسلامية في الغرب الأوربي، حاضر فيها الدكتور الحسيني حسن حماد مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بقسم التاريخ والحضارة بالكلية.
وقال حماد إن الحضارة العربية والإسلامية كان لها أكبر الأثر في التطور والتحضر الذي طرأ على أوروبا منذ أواخر العصور الوسطى وأوائل العصور الحديثة بعد أن كانت تعيش في ظلامٍ دامس.
حيث أفادت من الحضارة العربية والإسلامية في شتى الميادين العلمية والصناعية والزراعية والتجارية، وفي الفنون والآداب، وحتى في النظم الاجتماعية والصحية والسلوك (فن الإتيكيت) ونظم الحكم، والعمارة الإسلامية من إنشاء القصور والقلاع والحصون.
وأشار الي أن الأوربيون وجد في التراث والحضارة العربية الإسلامية ضالتهم المنشودة، فعكفوا على ترجمته ودراسته ونشره، وقد انتقلت الحضارة العربية والإسلامية إلى أوربا عبر معابر رئيسة أهمها الأندلس، وجزيرة صقلية، وبلاد الشام فترة الحروب الصليبية، التي اكتسب فيها الأوربيون علوم العرب وفلسفتهم وعمارتهم وفنونهم العسكرية وصناعتهم وتجارتهم وحياتهم الاجتماعية.
وأضاف الحسيني أنه في النواحي الاجتماعية أخذ الأوربيون عن المسلمين الكثير من عاداتهم وتقاليدهم في الزي والطعام والشراب وتغسيل الموتى، كما أخذوا عن الحضارة الإسلامية والعربية الاهتمام بالنظافة والاستحمام والمداومة على الطهارة والنظافة الشخصية وإنشاء الحمامات الخاصة والعامة، بعد أن كانوا كريهي الرائحة بشكل لا يطاق من شدة القذارة.
حيث قال أن وصف مبعوث روسيا القيصرية ملك فرنسا لويس الرابع عشر بقوله: إن رائحته أقذر من رائحة الحيوان البرى”.. وكانت إحدى جواريه تدعى دى مونتيسبام تنقع نفسها فى حوض من العطر حتى لا تشم رائحته، وكانت “إيزابيل ملكة أسبانيا تتفاخر أنها اغتسلت مرتين في حياتها: بعد الولادة وقبل الزواج، أما الملكة “إليزابيث الأولى ملكة إنجلترا فكانت تغتسل مرتين في السنة، وكانت تستعمل مروحة يدوية في الجو البارد لأجل طرد رائحتها الكريهة.
ولهذا السبب كان ابتكار العطور ذوات الأساس الكحولي أولاً في باريس ولندن واستعمالها لكي تغطي الرائحة الكريهة، وبينما كان عند المسلمين أنظمةُ ري متقنة ومجارٍ تحت الأرض لصرف المياه والقاذورات، نجد العكس من ذلك في أوروبا حيث كانت الفضلات تُلقى في الشوارع مباشرةً، أو تفرَّغ في الأنهار التي يشربون منها الماء.
وفي النواحي الاقتصادية فقد نقل الأوربيون عن المسلمين نباتات عرفوها لأول مرة وسموها بأسمائها العربية مثل السكر والارز والقطن والسمسم، وتعلموا بعض الصناعات العربية مثل صناعة الورق والصابون والخزف والزجاج والأصباغ والحلي والعقاقير.
وفي أوربا أدخل المسلمون صناعة النسيج والحرير والحلي واستخراج المعادن وأدوات القتال وسك العملة، وصناعة السكر من قصب السكر ولب الخشب والورق وتطورات وصناعة العطور، وقاموا بشق الترع، وتوزيع شبكات الرّي، وزراعة مختلف المحاصيل (القمح والأرز الآسيوي والذرة الرفيعة والقطن)، وتربية سلالات جديدة من الحيوانات.
إضافة إلي ان الصناعات الحربية عرفوا عنهم صناعة واستخدام قنابل البارود والقنابل الحارقة وأدوات الحصار وأبراج الحصار المتحركة وابتكار نظام الطوربيدات البحرية.
وفي النواحي العلمية والثقافية فإن التراث العربي والإسلامي كان يمثل المورد الرئيس الذي نهلت منه جامعات أوربا في شتى العلوم والمعارف، فقد كان في الأندلس وحدها 10 جامعات، وكان ملوك أوربا يرسلون بعثات علمية إلى الجامعات الإسلامية لنقل ما وقفت عليه من حضارة وتقدم، وكانت الجامعات الإسلامية في الأندلس وصقلية تستقبلهم بكل مودة وتسامح، كما أنشأ المسلمون جامعة سالرنو جنوب إيطاليا لدراسة الطب، كما أنشأوا جامعة مونبلييه بفرنسا.
حيث كان البابا سلفستر الثاني هو أحد خريجي جامعة قرطبة، كما تخرج الإمبراطور الألماني فريدريك الثاني حاكم صقلية وإيطاليا وألمانيا في جامعة بالرمو الإسلامية في صقلية، ثم أنشأ جامعة نابولي على نهج الجامعات الإسلامية، وكانت تدرس فيها مؤلفات علماء الحضارة الإسلامية، وقد نشأت جامعة أكسفورد على نمط الجامعات الإسلامية، حيث نقل وليم الفاتح الحضارة الإسلامية إلى إنجلترا فتم تأسيس جامعة أكسفورد وكانت علوم المسلمين هي مناهج الدراسة فيها.
وتعد ترجمات مؤلفات ابن سينا وأبو بكر الرازي والزهراوي وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية 1242م بمثابة مصادر رئيسة وموسوعات طبية عامة للأطباء الأوربيين وتدريس علوم الطب في أوربا، كما كانت الترجمات اللاتينية لأعمال جابر بن حيان والرازي في الكيمياء تعد المرجع الرئيس لعلماء الكيمياء الأوربيين، وكان لترجمة أعمال الخوارزمي والبتاني ونصير الدين الطوسي والخازن البصري وابن الهيثم والبيروني من العربية إلى اللاتينية أكبر الأثر في تطور ذلك العلم في أوربا.
وإليهم يرجع الفضل في استخدام الارقام العربية والصفر والعلامات العشرية وعلامات الجمع والطرح والضرب والقسمة والجبر والمقابلة والهندسة الفراغية، كما كانت ترجمات مؤلفات ابن الهيثم تمثل مصادر رئيسة في تدريس تلك العلوم لا سيما مؤلفاته في علم البصريات.
حيث اعتمد عليها إسحاق نيوتن ورينيه ديكارت كمصادر في أبحاثهم وفي علوم الفلك والجغرافيا أفاد الأوربيون بترجمة مؤلفات شمس الدين المقدسي، والإدريسي، وياقوت الحموي، والمسعودي وغيرهم.
كما تقدم العرب بعلم الفلك عن طريق إنشاء المراصيد وابتكار الأجهزة والآلات والأدوات ورسم الجداول الفلكية، واختراع الساعات والبوصلة والاسطرﻻب، بالإضافة إلى علم الملاحة البحرية والجوية، وآلات الموسيقى الهادئة لمعالجة الامراض النفسية والعصبية، وتقنيات الطواحين الهوائية وغيرها.