مكاتب تغري الطلاب بدراسة «الطب» في السودان وروسيا بمجموع 70%
500 دولار عمولة استخراج التأشيرة.. ودفع باقي المبلغ بعد القبول الجامعي
الشركات تشترط على الطلاب منع مغادرة بلد الدراسة لأي سبب.. وأساتذة يحذرون من انضمام الطلاب لجماعات محظورة
ونقابتي الأطباء والصيادلة: عدم قيد أي خريج من خارج البلاد ما لم يحصل على الحد الأدنى للتنسيق في نفس عام تخرجه.
«احذر من فخ السماسرة».. عبارة نعتاد سماعها كل عام بالتزامن مع بدء أعمال تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد المصرية. وعلى الرغم من تحذيرات المسئولين بعدم التعامل مع مكاتب الدراسة بالخارج، إلا أن ذلك لم يحول دون استمرار سماسرة التعليم الأجنبي بإغراء الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة وما يعادلها للالتحاق بكليات القمة في جامعات أجنبية خارج البلاد، وذلك بأسعار ومجاميع أقل من نظيرتها في الجامعات الخاصة المصرية.
وتُمثل وسائل التواصل الاجتماعي ميدانًا يستخدمه المسوقون والسماسرة لصيد فرائسهم. فلم يكتفوا بجذب الطلاب للالتحاق بجامعات غير معترف بها في السودان، روسيا، أوكرانيا، بولندا وغيرها فحسب، بل وصل الأمر أيضًا إلى استقطاب ضحاياهم للدراسة في بعض الدول المضطربة سياسيًا، ووضع شروط وصفها البعض بـ«المتعسفة» تمنع مغادرة الطالب للبلد التي يدرس بها لأي سبب من الأسباب، الأمر الذي يثير علامات استفهام كثيرة ويفتح الباب على مصراعيه لتهديد مستقبل الطلاب وتعريضهم للخطر.
وفي هذا التحقيق، يستعرض موقع «صدى البلد جامعات» كافة التفاصيل بشأن ظاهرة «مافيا التعليم الأجنبي»، للكشف عن بعض مكاتب السماسرة التي تبيع «الوهم» من خلال إيهام الطالب بتوفير كل ما يتعلق بالعملية التعليمية، بداية من التقديم للالتحاق بالجامعة، مرورًا بمراحل سفره وإقامته ثم دراسته حتى حصوله على الشهادة، وذلك بأسعار ومجموع أقل من نظيرتها في الجامعات الخاصة المصرية.
حيث تتقاضي هذه المكاتب نسبة من الأموال تتراوح ما بين 500 إلى 1500 دولار لاستخرج التأشيرة، مع دفع باقي المبلغ المقرر عند حصول الطالب على القبول الجامعي.
جامعات السودان.. «ادرس هنا حتى لو كنت راسبًا»
يواجه الطلاب المصريون في الجامعات السودانية، عددًا كبيرًا من الأزمات، على رأسها عدم الاعتراف بالشهادة التي حصلوا عليها، بالإضافة إلى تعطل العملية التعليمية خلال العام الدراسي، خصوصًا مع التقلبات السياسية التي يشهدها السودان.
وبمجرد اطلاعك على جروبات الطلاب المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي، ستجد عشرات الأسئلة يوميًا عن شروط التقديم في الجامعات السودانية. ورغم التحذيرات إلا أن بعض الطلاب يصرون على السفر هناك بسبب انخفاض تكاليف الدراسة، وقبول الطلاب بمجاميع أقل من نظيرتها في الجامعات المصرية، بالإضافة إلى إمكانية التحويل إلى الجامعات المصرية بعد ذلك حسب زعمهم.
ونستعرض بعض أهم المكاتب التي تقدم عروض للطلاب للدراسة في السودان وشعارتها المختلفة.
نشرت شركة (د) عبر صفحتها الرسمية على الفيس بوك منشورًا دعائيًا، عن الدراسة في السودان، وتمتلك 3 فروع في القاهرة، سوهاج، أسوان.
«لو معاك الثانوية العامة المصرية – وبأقل مجموع وعايز تحقق حلمك في كليات الطب والهندسة والصيدلة والأسنان والعلاج الطبيعي والطب البيطري، فرصتك أقوى أنك تدرس في أقوي الجامعات السودانية. خصم 50% من المصروفات الدراسية. حد أدني للكليات الطبية 65% (الطب البشري- العلاج الطبيعي- الصيدلة- طب الأسنان). حد أدني للكليات الهندسة 50%. مصاريف أقل من مصاريف مصر».
فيما نشر أحد المندوبين بشركة (أ) –تمتلك فرع بالقاهرة وأخر بأسيوط- منشورًا حول الدراسة في السودان وهو «اللي محتاج أي حاجة في جامعات السودان يتواصل معي خاص، بمجموع 70% يمكن الالتحاق بكلية الطب البشري ومصاريف تبدأ من 2000 دولار».
وردًا على تعليقات بعض الطلاب بأن بعض الجامعات السودانية غير معتمدة، قال مندوب الشركة ويدعى ع م: «دي جامعات معروفة ومعترف بها عالميًا، ليس فقط في مصر، كفاية أنك تأخذ شهادة مزولة مهنة في إيزلندا، وتطلع هناك وتشتغل فورا بعد التخرج، ده غير أنك في مصر تقدر تأخذ سنة الامتياز في الجامعة التابعة لمحافظتك ولك مرتب شهري في السنة، وتقدر تعادل شهادتك، وتأخذ عضوية النقابة وتفتح عيادتك عادي».
وقال مسئول بإحدى مكاتب السماسرة لـ “موقع صدى البلد جامعات”، إنه يمكن للطالب الالتحاق بأي جامعة سودانية يرغب بها، حتى لو كان راسبًا، مضيفًا أنه لا يستلم أي أموال من الطالب إلا بعد التأكد من سفره وقبوله بالجامعة”.
وحول ما إذا كانت الجامعة معتمدة من المجلس الأعلى للجامعات في مصر أم لا، قال: «ليس لي دخل بالاعتماد والنقابات، فالطالب يجب عليه التأكد بنفسه من اعتماد الجامعة، ثم يأتي لي لمساعدته في الالتحاق بها فقط».
وحصل موقع صدى البلد على صورة من مصروفات إحدى الجامعات السودانية (ابن سينا) في السنة الواحدة للعام الدراسي 2020-2021، والتي كانت كالتالي:
بكالوريوس الطب البشري (6 سنوات): 4500 دولار، ما يعادل (72 ألف جنيه بالمصري).
بكالوريوس طب الأسنان (5 سنوات): 4500 دولار (72 ألف جنيه بالمصري).
بكالوريوس الصيدلة (5 سنوات): 2500 دولار (40 ألف جنيه)
بكالوريوس العلاج الطبيعي (4 سنوات): 3000 دولار (48 ألف جنيه).
عقد اتفاق يشترط منع مغادرة بلد الدراسة لأي سبب
حصل موقع صدى البلد جامعات على صورة من عقد اتفاق بين إحدى الشركات وولى أمر، لإلحاق نجلته في إحدى الجامعات التركية للدراسة بها. ويشترط العقد أن تقوم الشركة بتوفير القبول للجامعة التي يرغب بها الطالب، مع توفير سكن جامعي للطالب والتأمين الصحي له. فيما يحذر العقد الطالب من مغادرة بلد الدراسة لأي سبب من الأسباب إلا بعد الحصول على موافقة الجامعة.
وعند الاتفاق على شروط العقد، يتم دفع مبلغ 500 دولار أمريكي رسوم الحصول على التأشيرة، على أن يسدد باقي المبلغ عند القبول الجامعي.
وبسؤال ولى الأمر الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه، عن سبب رغبته في إلحاق ابنته للدراسة بالخارج في تركيا، أجاب أن ابنته حصلت على مجموع 96.5% وترغب في دخول كلية الطب، إلا أن مصروفات كليات الطب في الجامعات الخاصة مرتفعة للغاية ولا يستطيع دفعها، ما اضطره إلى البحث عن بديل أخر وهو السفر للدراسة في الخارج. وأضاف أنه تقدم لإحدى الشركات في الدقهلية للاستفسار عن طرق التقديم للدراسة في الخارج، والذي وقع العقد معها.
بـ 2500 دولار.. ادرس «طب» في روسيا وأهرب من أسعار الجامعات الخاصة
دعت بعض مكاتب السماسرة الطلاب إلى الدراسة في جامعات روسيا، مقابل 2500 دولار للمجال الطبي، و2200 دولار للمجال الهندسي.
وبسؤال أحد الطلاب س أ، الحاصل على الثانوية العامة بمجموع 95%، أنه قرر التقديم في أحد مكاتب السماسرة للتقديم في كلية الطب بالخارج، مضيفاً: «أسعار كليات الطب الخاصة في مصر في متناول الأغنياء فقط، ومجموعي مؤهل ولكن لا أملك مئات الآلاف لدفعها».
أوكرانيا.. نصب متكرر رغم التحذيرات
على الرغم من أن وزارة الهجرة كثيرًا ما تهيب بالطلاب المصريين بتوخي الحذر لتجنب تعرضهم للنصب من قبل سماسرة التعليم، إلا أن ذلك لم يحول دون استمرار الطلاب للتقدم لهذه المكاتب للدراسة في جامعات أوكرانيا هذا العام أيضًا. ولعل أبرز الحالات السابقة التي شهدها العام الماضي على وقائع النصب، تعرض نحو450 طالب مصري للنصب في جامعة الدونتسك الطبية في (كيرفوجراد) أوكرانيا، علاوة على غرق أكثر من حالة لطلاب يدرسون في أوكرانيا وروسيا.
ودعت مكاتب السماسرة الطلاب بالتقدم للدراسة في بعض الجامعات الأوكرانية والتي تقبل مجموع أقل بأسعار مخفضة.
ضوابط الالتحاق بالنقابات المصرية
من أهم المشاكل التي تواجه الطلاب المصريين الحاصلين على الشهادة الجامعية من السودان وغيرها من الدول هي الالتحاق بالنقابات في مصر، وذلك نظرًا لتدنى التنسيق في تلك الدول مقارنة بنظام التنسيق في الجامعات المصرية.
وقد حددت نقابة الصيادلة قواعد لالتحاق خريجي الجامعات الخاصة والأجنبية بها، حيث لن تقبل قيد خريجي كليات الجامعات الخاصة أو الأجنبية الحاصلين على مجموع في الثانوية العامة أقل 5% مقارنة بالجامعات الحكومية، ولن يتم منحهم ترخيص مزاولة المهنة من وزارة الصحة، لتحايلهم على قواعد التنسيق المعمول بها داخل مصر. وأكدت النقابة على عدم قبول أي خريج من كليات الصيدلة خارج البلاد ما لم يكن حاصلاً على الحد الأدنى للتنسيق في نفس عام تخرجه.
فيما اشترطت نقابة الأطباء في قواعد قيد خريجي كليات الطب الأجنبية بالنقابة دراسة مواد الأحياء والكيمياء والفيزياء كمواد مؤهلة لدراسة الطب، مع تقديم شهادة الثانوية العامة قسم علمي أو شهادة توضح دراسة هذه المواد عند طلب القيد بالنقابة. وكذلك عدم زيادة الفرق بمجموع الثانوية العامة على 5% عن الحد الأدنى للقبول بكليات الطب الحكومية المصرية في نفس سنة الحصول على الثانوية العامة، على أن يطبق هذا البند على الحاصلين على الثانوية العامة 2020. كما يشترط لجميع الحاصلين على بكالوريوس الطب من خارج مصر لقيده بالنقابة إحضار إفادة من الدولة المانحة للبكالوريوس تفيد بأن حامل هذه الشهادة يسمح له بمزاولة المهنة في البلد المانحة.
«التعليم العالي»: ممنوع تحويل الطلاب الحاصلين على 70% في السنة الثانية
كانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وضعت قواعد لتحويل الطلاب الدراسين بكليات الطب بالخارج إلى الجامعات المصرية. حيث يوجد نوعان من كليات الطب الأجنبي: إما كليات حكومية وهي معترف بها وفقًا لاتفاقيات الدول مع بعضها، وإما الكليات الخاصة المعتمدة في دولها. بحيث يتم معادلة الشهادة الحاصل عليها الخريج من كلية أجنبية من لجنة المعادلات الموجودة بالمجلس الأعلى للجامعات، بعد بحث نوعية الدراسة بها وطبيعة المناهج الدراسية بها.
وأكدت وزارة التعليم العالي أن من يحصلون على مجموع 70 أو 80 أو 90% ويدرسون في أي دولة بكليات خاصة أجنبية لا يمكنهم التحويل أثناء الدراسة في السنة الثانية وعليهم أن يستكملوا دراستهم بها.
وأشارت إلي أنه يتم التحويل إلا إذا كان مجموع الثانوية العامة للطالب في السنة التي التحق فيها بالكلية يساوي أعلى الحد الأدنى للتخصص، فعلى سبيل المثال إذا كان الحد الأدنى للطب 98%، بينما كل الكليات الحكومية في مصر حصلت على مجموع 99% ولم يجد مكانًا لها فلجأ إلى السفر للخارج بمجموع 98% يمكنه الدراسة في أي كلية أجنبية حكومية معتمدة ويمكن أن يحول لأى جامعة مصرية من السنة الثانية، بينما المجموع الأقل من ذلك لو 97% لا يمكنه التحويل للسنة الثانية وعليه أن يكمل دراسته في الجامعة الأجنبية التي يدرس بها وبعد نجاحه في سنوات دراسة الطب والحصول على الشهادة يمكنه أن يأتي إلى المجلس الأعلى للجامعات للنظر في معادلة تلك الشهادة.
أما فيما يخص قانون مزاولة المهنة، فإنه يقضي باجتياز جميع طلاب كليات الطب امتحانا موحدا للحصول على التراخيص وبالتالي جميع أنواع الشهادات الأكاديمية لن تفيد ولن يزاول المهنة بها إلا بالامتحان الموحد وإذا نجح فيه يصبح في مستوى علمي يمكنه من أن يمارس مهنة الطب بينما إذا لم ينجح فيه فهو لا يصلح لممارسة المهنة والامتحان يكون فيه الحد الأدنى من المعلومات التي يجب أن تكون لدى خريج كلية الطب.
أساتذة يحذرون من استقطاب الطلاب لدول مضطربة سياسيًا والانضمام لجماعات محظورة
حذر الدكتور محمد كمال، عضو هيئة التدريس بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ، مما وصفه بـ«مافيا» التعليم الأجنبي وتهديد مستقبل الطلاب المصريين بالسفر إلى بعض الدول المعادية لمصر مثل تركيا وغيرها من الدول المضطربة سياسيًا ما يعرض حياة الطلاب للخطر واستقطابهم للانضمام إلى جماعات محظورة.
وأضاف كمال لـ “صدى البلد جامعات»، أنه يوجد الكثير من مكاتب السماسرة في القاهرة والمحافظات، والتي تجذب الطلاب للالتحاق بجامعات أجنبية بالخارج مقابل تقاضي الأموال، دون التأكد من مدى اعتماد هذه الجامعات، بل أن الأمر يصل أحيانًا لتعرض الطلاب للنصب، حيث يفاجئ الطالب عند السفر أن الجامعة عبارة عن قاعة أشبه بالسنتر، حتى بعض كليات الطب لا يوجد بها تدريب عملي.
وطالب كمال السلطات المختصة بضرورة إغلاق هذه المكاتب وتطبيق الضبطية القضائية عليها حرصًا على مستقبل الطلاب المصريين.